الآن توضحت الصورة

         في خضم الأحداث الأخيرة التي مررنا بها منذ يوم 12جانفي2011 لم تكن الصورة واضحة كل الوضوح بالنسبة لي و بالنسبة للكثيرين و قد كتبت مقالا تأسفت فيه لما وقع من أحداث مرعبة في بدايتها قبل أن تمرّ الثورة إلى مرحلتها الثانية المتمثلة في الدّعوة إلى إزاحة الحزب الحاكم أعني التجمّع الدّستوري الدّيمقراطي. كيف حدث ذلك؟
        كان الشباب مغيبين قصدا منذ بداية التسعينات بالمخدرات و المهلوسات من زطلة و حرابش و كول و غيرها.و إضافة إلى ذلك كانت الكورة و الدّين و الاهتمام بالجسد و سائل تخدير و لكنّها كانت أسلحة ذات حدّين.صحيح أنّ الاهتمام بالجسد قد أخد من الشباب المحروم مصروفه و أهدر وقته و لكنه بين أنه يطمح إلى ما هو أفضل و أرقى رغم ضيق ذات اليد .فبماذا تفسر مطالبة شاب والديه بشراء حذاء أو سروال أو غيره من أدوات الزينة بما يفوق أحيانا أجرة شهر؟أهو الغباء و عدم الشعور بالمسؤولية و عدم التعقل؟ما أظنّ ذلك!إنّها فورة الطموح و الرغبة في ما هو أفضل.لقد حافظ الشباب على رغبته و طموحه و تحدى واقعه و حافظ على ذلك طيلة سنوات الكبت و القهر و الخوف.و كذلك الدين فقد أغرق في الغيب طائفة أخرى من الشباب و لكنه من ناحية أخرى أبقاه حارا متمسكا بأصوله العربية الإسلامية يستمد منه الدافعية و الغضب و الدفاع عن الحق و يتخذ من رموزه نماذج يقتدي بها .فأجّل بذلك الثورة و أخفاها و ستر الغضب و لكنّه لم يقبره و لم يلغه بل دفع البعض منهم في مهاوي التعصّب و القسوة و العنف.و شأن الكورة أعجب و أكثر دلالة, فالشباب في الملاعب الرياضية كان يصرف شحنة الغضب و القهر و المهانة و يتحدى و يسب و يلعن و يهدد و ينسى واقعه و يرفع الشعارات نفس الشعارات التي يرفعها اليوم و يهدد بنفس العبارات التي يهدد بها اليوم.و إني الآن أدركت لماذا يعيد الشاب الكرة و يعود إلى الملعب الذي ضُرب فيه و أُهين و سبّ و شُتم.إنه يريد أن يعبر فعبر في الفضاءات الخائلية الافتراضية المغلقة في الأنترنيت و فضاءات الملاعب نصف المفتوحة و في الشارع يحيط به البوليس و يسوقه سوق المواشي ليؤطر غضبه و يساعده على صرفه شيئا فشيئا.
       هذه الأسباب مجتمعة هي التي سرّعت التغيير.فاحتداد حركة الشباب تزامن تماما مع توقف البطولة الوطنية الرياضية فلم يعد له ما يصرف به شحنة الغضب فكان الخروج إلى الشارع و عاد الوعي و احتد الغضب و في ظرف أسبوع انقلبت الأمور رأسا على عقب.
       لقد فهم الثائرون اللعبة و أدركوا أنّهم يقودون الساحة السياسية  و أنّ السّاسة التقليديين يرغبون في ركوب قطار الأحداث و عرف أنه أقوى منهم جميعا .فما يجري في هذه الأيّام الأخيرة حسب رأيي هو لهاث وراء غايات لا يرتضيها الشّارع أبدا .فكيف وافق الوزراء المنسحبون من الوزارة وزارة تصريف الأعمال و بلوغ بر الأمان على دخولها و لماذا و الحال أنهم يعلمون أن رئيسها هو الوزير الأول ذاته الذي كان في زمان الرئيس الذي ثار عليه الشباب و أزاحوه و اضطروه إلى الهرب .و اليوم حين رفض الشعب وجوده اضطر مع الرئيس المؤقت إلى الاستقالة و الانسلاخ من الحزب الحاكم لضمان قبول المنسحبين من الوزارة  في محاولات مفضوحة مريبة للتمسك بالسلطة و تسيير دواليب الأمور. و إضافة إلى ذلك فإنّ المنسحبين أنفسهم قد نبذهم المحتجّون لأنهم اشتمّوا رائحة خيانة و خطف لنبض الشّارع .و السيّدة مفيدة التلاتلي اضطرها صراخ الشارع إلى الخارج إلى الخارج إلى التخلّي و تقديم الاستقالة .كما وُرّطت النّقابة حين قدّمت لها هدية مسمومة تتمثل في الملفات الصعبة و لذلك رفضت مواصلة البقاء في الحكومة . و الرأي عندي أن تبقى النقابة صمّام أمان مثلها مثل الجيش و الأمن و الحرس الوطني كل في مجاله وظيفتها الحرص على الشعب لا النظام الحاكم لأن النقابة تضم كل الألوان و تدافع عن حقوقهم في الشغل.
                                                                                   منزل جميل الثلث الأول من 2011
  Partager
دراسات و أفكار
 موضع غابة الرمال في التراث
المدينة و تراثها في الشعر العربي
تاريخ الصيام
الصيام و الحرمان 
موقف من الحجاب
ضرب المرأة
الأنثى في ديوان "قصائد من تحت الأنقاض" للشاعر نجيب بن علي
شاب أحرق بلدا
الثورة التونسية
تقبّل موت حاكم قرطاج
الآن توضحت الصورة

بين حرّيّة التّعبير و قداسة الذّات الإلهيّة

هل الثورة حاالة مؤبّدة؟
النّقاب أو العري
تجديد فهم الإسلام
لماذا لا تكون الشرائع مقدّسة إلاّ بوجود الأنبياء و الرّسل؟
هل النّساء وحدهنّ ناقصات عقل و دين؟
في المعنى اللّغويّ للخلافة
من أنا؟
تعريف
قصصي
أشعاري
مسرحياتي
تحقيق
ترجمة
دراسات
مواقع

الصفحة السابقة

طبع الصفحة

الصفحة الرئيسية | صور | غابة الرمال | الفضاء | التاريخ | من أنا؟ | عائلتي | عائلات منزل جميل | المعالم الدينية | أمثال و أقوال | المنظمات و الجمعيات | المؤسسات | الثقافة و الفنون | ناس مروا | المتحف | راسلونا

Copyright 2012©2015 leplacartuel.com