يذكر
حسن حسني عبد الوهاب في الجزء الثاني من كتابه ورقات "ص 86
في سياق حديثه عن منازل الساحل
ما يلي "اصطلحوا من العهد الأغلبي على تعيين
القرية باسم (المنزل ) فإذا قال أحدهم :- إني ذاهب إلى
منزلي أو إني خرجت من منزلي ، فإنما يقصد القرية التي يسكنها و لا يعني
البيت الذي يقطنه ، و ما زالت لحد الآن بعض القرى الساحلية تحمل
اسم المنزل ، مثل :(منزل حرب) و (منزل خير) و(منزل كامل).
و هذا الاصطلاح لم يكن مقصورا على الساحل الاعتباري- أي الذي قاعدته
سوسة - فحسب بل كان متعارفا في سائر الشطوط التونسية ، فيوجد في
الوطن القبلي- جزيرة شريك في القديم- (منزل تميم)و (منزل حر ) و (منزل
باشو)- و في ناحية بنزرت- وطن سطفورة -(منزل جميل) و( منزل عبد الرحمان)
و هلم جرا و يقابل اسم المنزل في الفرنسية لفظ
(Hammeau) و هو مجموع صغير لبيوت في الريف.
فالمنزل حينئذ أقل أهمية من القرية ، و ربما لا يتجاوز عدد
دوره الثلاثين فما دون ؛ و في غالب الأحيان كان يضاف إلى
منزل اسم أول من نزله و بنى به دارا مثل "حرب" و
كامل " و تميم " و"جميل " و "عبد الرحمان".
و تماشيا مع
هذا التفسير أورد الباحث أحمد الحمروني في معجم المدائن التونسية
ط 2 مدياكوم تونس 1998 ص 178 قوله" منزل جميل :نسبة إلى
رجل اسمه جميل على بحيرة بنزرت ."
و تأكيدا لذلك أقول
لقد ترسخ في الذاكرة الجماعية أن أول من بنى منزل جميل شخص اسمه
جميل مكث بها عندما بلغها فأعجبته و قرر الاستقرار فيها بينما واصل
أخوه عبد الرحمان الطريق و استقر في القرية المسماة الآن باسمه على بعد
4 كيلومترات غربا على ساحل البحيرة. و لعل هذا المسمى عبد
الرحمان خال جميل لا أخوه لأن المتعارف و الأكيد أن أهل منزل
جميل يعتبرون أهل منزل عبد الرحمان أخوالهم فترى أصيل منزل جميل يقول
لأصيل منزل عبد الرحمان حين يلتقي به دون سابق معرفة فيكتشف من لهجته
أنه من منزل عبد الرحمان "خالي "فرحا مستبشرا باكتشاف ذلك مقلدا
لهجته مقصرا المقطع الأول مطيلا المقطع الثاني من الكلمة .
و
لعلّ أقدم إشارة إلى منزل جميل بعبارة دشرة فلاحين أوردها
ليون الإفريقي(ت )عندما قال في غضون حديثه عن بحيرة بنزرت"
بحيرة كبيرة
تحيط بها مداشر عديدة لصيّادي السّمك و
الفلاحين " .
و الأرجح أن
منزل جميل كانت دشرة صغيرة في ذلك الزمان في بداية
تكوينها لا يتعدى عدد دورها الثلاثين . و بالفعل فنحن نسمي
المناطق السكنية التي لا ترتقي إلى مستوى القرية أو المدينة دشرة
فنقول للشخص الغريب القادم من الريف "جاي م الدشر" أي آت
من المناطق القريبة صغيرة الحجم قليلة عدد السكان.
و أنا أتوهم
أنه إلى حد ذلك الزمان لم تستقر تسمية تلك المناطق السكنية الجديدة مثل
"منزل جميل" و "منزل عبد الرحمان" و غيرهما لجدّتها .؟
و أفترض أنّ
صطفورة هي
الاسم القديم لمنزل جميل بالرغم من
إلحاح بعض الباحثين في التأكيد على أن ذلك
الاسم يطلق على ما يساوي ولاية بنزرت حاليا.
أورد أبو العرب في كتابه
طبقات علماء افريقية و تونس نصا طريفا نقف عنده لإشارته
إلى المنزل و لعل التسمية تعود إلى ذلك الزمن فقد قال:
" و حدثني أبو عثمان [سعيد
بن عمر]،قال حدثني أبو عبد الله محمد بن عبد الله- شيخ كان
من المخبتين خامل الذكر و كان من المجذوبين - قال :بينما
اسماعيل بن رباح (ت212 هـ)
في سفر إذ أبصر رجلا من أهل الساحل و معه أهله و ولده
و هم بحال رثة ، فرفع رأسه إليهم كالناظر إلى فرصة [ثم سار
إلى الساحلي فقال له]:" كم تزيدني على كسائك هذا و أعطيك كسائي
هذا ؟" و كان كساء الساحلي خلقا و كساء اسماعيل جديدا ،
فقال له :"ما عندي ما أزيدك ، ما عندي إلا ثلاثة دراهم " فبادر اسماعيل
فألقى كساءه و بادر الساحلي إلى كسائه فألقاه إلى اسماعيل و
أعطاه الدراهم الثلاثة فاشتمل اسماعيل بذلك الكساء الخلق ثم
انطلق فاشترى في ذلك المنزل الذي كان به بدرهم من تلك الدراهم
الثلاثة شعيرا و بدرهم زيتا و بدرهم تينا ثم جعل من ذلك بسيسة، و جعلها
في جفنة- أو قال في صحفة- ثم وضعها على رأسه ، ثم أقبل بها إلى الساحلي
فقال له اسماعيل :" تقرّب أنت و أهلك و أطفالك " و دفع ذلك الطعام
إليهم فأكلوه . ثم قال له:"بقيت لي إليك حاجة أخرىإلى أي موضع تريد
؟"فقال له الساحلي :"بلغني أن
بصطفورة
زرعا في منزل فلان فأحببت أن أبلغ إليها لعلي أعيش أنا و أهلي و
صبياني فيها ". فترك اسماعيل الجهة التي كان يمضي إليها، و توجه
مع الساحلي حتى أتى ذلك المنزل
قبلغ صاحب
ذلك المنزل
أن اسماعيل بن رباح أتى إلى
منزله ،
فخرج إليه و جعل يسأله :"ما الذي جاء به إلى موضعهم ؟" فقال له اسماعيل:"
هذا الساحلي و ولده و أهله[ وديعتي عندك" ثم ولى منصرفا].
(أبو
العرب محمد بن أحمد بن تميم القيرواني المتوفى سنة333/944 في
كتابه طبقات علماء افريقية و تونس تقديم و تحقيق علي
الشابي و نعيم حسن اليافي ط الدار التونسية للنشر 1968
صص147/148 )
و يوجد نفس
النص في كتاب رياض النفوس ج 1 ص ص 337
/338 و هذه روايته
"
و حدث محمد بن لله - شيخ كان من المخبتين مخمول الذكر و كان
من المحزونين - قال :بينما اسماعيل بن رباح في سفر اذ
وافى رجلا من أهل الساحل و معه أهله و ولده و هو بحال
رثة ، فرفع رأسه إليهم [كالناظر] إلى فرصة ثم ثار إلى
الساحلي فقال له:"يا ساحلي ، كم تزيدني على كسائك [هذا ] و
أعطيك كسائي [هذا] ؟" و كان كساء الساحلي خلقا و كساء
إسماعيل جديدا ، فقال له :"ما عندي ما أزيدك ، و ما عندي إلا
ثلاثة دراهم " فبادر اسماعيل و ألقى كساءه ، فبادر الساحلي فألقى
كساءه إلى إسماعيل و أعطاه الدراهم الثلاثة، و اشتمل اسماعيل
بذلك الكساء الخلق ثم انطلق ، فاشترى بدرهم من تلك الدراهم
شعيرا و بدرهم زيتا و بدرهم[تينا] ثم [عمل] من ذلك بسيسة، و جعلها
في جفنة ثم وضعها على رأسه ، ثم أقبل بها [إلى] الساحلي ثم قال :"
تقدم أنت و أهلك و أطفالك فكلوا" و دفع ذلك الطعام إليهم فأكلوه .
ثم قال :"بقيت لي إليك حاجة ؛أخبرني أي موضع تريد ؟"فقال
الساحلي :"بلغني أن بصطفورة زرعا فأحببت أن أتبلغ
إليها فأعيش فيها أنا و أهلي و صبياني ". فترك اسماعيل الجهة
التي كان عليها ، و توجه مع الساحلي حتى وصل معه إلى
المنزل
قبلغ صاحب المنزل
أن اسماعيل بن رباح أن اسماعيل بن رباح أتى إلى
منزله ، فخرج
إليه يسأله :"ما الذي جاء بك ؟" فقال له ." هذا الساحلي و أهله و
ولده وديعتي عندك" ثم ولى منصرفا.
و اعتمادا على النّصّين المتقدّمين ألا يكون هذا المنزل الذي ذكر
مع صاحبه أحد المنزلين منزل جميل أو منزل عبد الرّحمان و لا
يمكنني أن أجزم نهائيّا أنّه أحدهما و إن كنت أميل إلى أنّ هذا
المنزل يمكن أن يكون منزل جميل هذا الشخص الذي لا نعرف عنه سوى
القليل الغامض .
انظر صطفورة لمزيد التّوسّع.
Partager
|