مقدّمة:
العنوان الذي اتخذناه
لهذه المداخلة يرتبط بموضع غابة الرمال لا بغابة
الرّمال تحديدا لأن هذا الموضع ضارب في التاريخ و هو
أقدم من الغابة بل من أهالي منزل جميل ذاتهم و ينقسم هذا المقال
إلى قسمين اثنين :
1/* موضع غابة الرّمال في التراث الجميلي
2/* علاقتها(=غابة الرمال) بالمدينة(= منزل جميل)
و نبدأ ببعض التّعريفات
موضع غابة الرّمال=
هو المكان الذي تجثم
عليه غابة الرمال و تخومها و الشاطئ الممتدّ على طول
السّاحل . و تقع غابة الرمال بالجنوب الشرقي لمدينة بنزرت
و يحدّها
"- شمالا:البحر
الأبيض المتوسط
-جنوبا:الطريق
السريعة تونس بنزرت
-غربا: معتمدية
جرزونة
-شرقا: وادي
الحلة من معتمدية العالية و هنشير الدمنة من معتمدية
رأس الجبل
تتبع
الغابة ترابيا معتمديتي منزل جميل و العالية و إداريا مركز
الغابات بالرمال و بالعزيب الراجع بالنظر إلى المندوبية الجهوية
للتنمية الفلاحية ببنزرت. و
هي تشبه في شكلها الجغرافي مثلثا رأسه متجه إلى
مدينة بنزرت. و تقع على كثبان رملية تمسح 3502 هكتارا و هي
مهيأة و مقسمة إلى 50 قطعة غابية بها 51 كم من
الطرائد الغابية ، تمر بها طريق غابية طولها 32 كم تسهل
التنقل و التدخل داخل الغابة .
التّراث الجميلي =
مفهوم التراث=
"هناك تعريف
معجمي للتراث فهو في اللغة مشتق من الإرث يقول ابن
منظور في مادة ورث" الإرث هو الميراث و هو الأصل ، و يقال الإرث
في الحسب و الورث في المال و يقال في إرث صدق أي في
أصل صدق ... و عن ابن الأعرابي :الورث و الإِرث و و الإِراث و التّراث
،واحد ... و يقال توارثناه أي ورثه بعضنا عن بعض قِدْما. و
يفسّر الزّبيديّ كلمة إِرث بأنّها :نحو استيلاء الشخص على
مال وليّه الهالك ... والملاحظ أن اللغويين القدامى لم يتعرضوا لبيان
لفظة تراث ذاتها ،مع أنها كلمة قرآنية وردت في قوله تعالى
" و تأكلون التراث أكلا لمّا."مكتفين ببيان مصدر الكلمة ،
بحيث يصير التراث مرادفا لكلمة الميراث و كلاهما من مصدر
أرث .
أما التعريف الفني للتراث ، فهو حديث
نسبيا في ثقافتنا فقد اصطلح أهل البحث في التراث على أن هذه
اللفظة تشير إلى النتاج الحضاري للأمة العربية الإسلامية خلال عمرها
الممتدّ عبر القرون فيقال التراث العلمي لاسهامات العلماء العرب
في فروع العلم .. و قد تتخصص اللفظة فيقال التراث الكلامي للإشارة إلى
جهود المتكلمين (أهل البحث في العقيدة و التوحيد ) أو التراث العثمانيّ
للإشارة إلى إنتاج الحضارة الإسلامية في زمن الدولة
العثمانية..و هكذا.
و يختلف الباحثون في التراث حول
تحديد الفترة الزمنية التي نقول عما قبلها إنه تراث فيذهب البعض إلى أن
التراث يقف عند آخر القرن العاشر الهجري . و البعض الآخر يرى أن
التراث كمفهوم حضاري ،هو ما سبق مجيء الحملة الفرنسية سنة 1798 .في حين
يقرر البعض أن التراث هو كل ما مضى عليه خمسون عاما أو يزيد.
و لما كان الزمان الإنساني
يتحرك دوما بين قطبي (الماضي - المستقبل) و لما كان التراث متعلقا
بالماضي و كان الماضي لحظة تراكم دائم..فإن التراث هو نتاج
الماضي بعمومه . و كل ما له قيمة حضارية - مما مر علينا- فهو تراث
؛بقطع النظر من المدة المنقضية على مروره .ذلك أن المتصل الزماني لا
ينقطع ،و لا يتوقف ثم يعاود السير ، و لذا فإن تراثنا الأدبي - مثلا -
يشمل الشعر الجاهلي(في الشعر الجاهلي) و يمتد حتى يشمل مدرسة
الدّيوان ، و هو يضم شعراء المعلقات و المتنبي وأحمد شوقي و العقاد و
أمل دنقل ...فكل ما
مر هو تراث. و بناء على ما تقدم فإنني أعني بالتراث
الجميلي كل ما يتصل بمنطقة منزل جميل و له ارتباط بماضيها من إنتاج
مادي أو خائلي ذهني مهما كان محتواه و الشكل الذي يتخذه ليبقى موجودا و
لم يندثر لأن ما اندثر و لا يمكن استرجاعه و الاستفادة منه فقد مات . و
لذلك فالتراث كالكائن الحي مابقي منه هو التراث و ما قبر و اندثر و لم
يعد يتذكره أحد فلا ارتباط له بما نسميه بهذا الاسم. و ما أكثر ما ذهب
و ما أقل ما بقي !"
لماذا
التراث الجميلي تحديدا ؟
لما كنت من
سكان منزل جميل ، و تربطني بهذه المنطقة الجغرافية و أهلها الذين هم
أهلي علاقات حب و تعلق ؛ و لما لاحظت أن تراث منزل جميل مطمور في غياهب
التنكر و الإهمال و النسيان و في طريقه إلى العدم و الاندثار؛ و لما
كانت لي حساسية خاصة إزاء حادثة الموت و دهشة أمام كل ما يولد و يحدث
قررت أن أهتم بتراث منزل جميل . و إن المصادر التي تصفحتها في
حدود الفترة القصير التي بدأت فيها الاهتمام بالتراث
الجميلي( من صيف 2004 تحديدا إلى الآن أفريل 2005 ) لتعد قليلة
شحيحة . و مع ذلك يمكن اعتمادها إلى أن تظهر حقائق جديدة
قد يجود بها البحث و مواصلة المجهود في هذا الصدد.
فالأمر الذي نهتم به أولا هو
موضع غابة الرمال في التراث الجميلي أي كل ما يرتبط بهذا
الموضع المحدود جغرافيا و الممتد زمانيا .و نعني بذلك حضور موضع غابة
الرمال و أثره في التراث الجميلي .ثم نمر بعد ذلك
إلى الحاضر للحديث عن علاقة غابة الرمال بمنزل جميل تحديدا .
I*/موضع
غابة الرمال في التّراث الجميلي :
1*/موضع
غابة الرمال في الأمثال و العبارات الجاهزة =
لم أسمع إلى حدّ الآن أي نص
شفوي يتحدث عن موضع غابة الرمال فضلا عن الغابة التي فات على
غرسها قرن و نيف و سوى ما يتناقل من أمثال عامة
يرددها أهالي منزل جميل و هي تنتمي إلى التراث العام مثل:
+ مازالْ العْياطْ في الغابهْ.
للتّنبيه إلى أنّ الأمر ما زال في
بدايته و أنه يتطلب المزيد من الاجتهاد و بذل الجهد.
أو
+ ماشي للرْملْ .
أي للسّكر و شرب الخمرة لوجود الخمّارة و نزل الرّمال
سابقا في بعض نواحيها . أو
+ تاي! و بالبندقْ
!. للشّيء الذي توفّرتْ فيه الشروط و فاتت الحدّ
العاديّ غير المنتظر .
2*/موضع غابة الرّمال في الاحتفالات الدّينية
و طقوس الموت و السّحر=
لموضع غابة
الرمال بعد عقائدي في التّراث الجميلي و خاصّة في وقت
الأزمات و نقصد بذلك أزمة الجفاف ؛ إذ يقصد الأهالي تخوم
غابة الرمال في المكان المعروف بـ"عين نجاح" مصحوبين بكل
أطفال القرية مردّدين " يا لطيف ! يا لطيف ! يا ربّي ترحمنا و تصب
المطرْ" و يقصدون تخوم غابة الرمال حيث بير عين نجاح . و مما يرتبط
به الاعتقاد في أنه عندما يظهر فكرون البير(= سلحفاة بير
عين نجاح) يعود الناس إلى البلدة مهللين بعد أن يذبحوا عاصي
و يطبخوا الكسكسي و يأكل الجميع منه تبرّكا. و إنّ هذه
الخرجة المليئة بالبهجة و الأذكار و الإنشاد الدّيني
للعيساويّة و ألوان البيارق و السناجق المتنوّعة
لبهجة للنفس و متعة للعين فيها الحرّيّة و البراءة في كنف
الطبيعة الجميلة البكر حيث الرّمال و أشجار الغابة و سعة
المكان .
كما يوفّر موضع غابة الرّمال حطب سامور
عاشوراء الذي كان يُحتفل به في الليل بالقفز على النار
المشتعلة و اجتيازها و يتمّ ذلك في ليلة العاشر من محرّم الحرام
من كل سنة و يسمّى اليوم تاسوعاء.كما يتم قلي الحمّص و الفول
بحطبها أو غيره من وسائل الإيقاد لتهدى بمناسبة عاشوراء . و كذلك
الحلويات مثل البقلاوة و الغريبه و المقروض في العيد
الصغير . و كذلك يقع"تشوشيط (= حرق شعر ) الرأس و السّاقين " بعد ذبح
كبش العيد يوم عيد اللأضحى الموافق ل 10 ذي الحجة من كلّ
سنة . كما يقع ضبخ البرغل يوم 1 محرم بقديد كبش العيد عند دخول
السنة الهجرية الجديدة كل عام .
و أما في ما يخص طقوس الموت فإن
موضع غابة الرمال يوفّر نبتة الريحان التي توضع في كفن الميت لتطييبه و
لا مفرّ من وضع ذلك في الكفن و خاصة وسادة الميت .كما يوفر
الموضع الجريد الذي يوضع على القبور في المناسبات
الدّينية كالعيدين و يومي الاثنين و الخميس خصوصا من
كل أسبوع .
و إلى جانب ذلك يصطاد بعض الأهالي حيوان " أم
البويه"(= الحرباء ) من موضع غابة الرمال لاستعمالها في
السحر و دفع العين و ذلك بحرقها و التبخير بها بعد تجفيفها
......
3*/ موضع
غابة الرّمال في النضال الوطني =
تمثّل غابة الرّمال ميدانا تدرّب فيه الوطنيون على العمل
النّضالي و من ذلك ما ذكره شيخ المناضلين في منزل جميل السيد علي
المعاوي في مذكراته "خواطر و ذكريات" ج5 ص 5 فقد تحدّث
عن تنظيم ملتقى أول للشباب الدّستوري بالجهة في موفّى
شهر جوان 1948 بالمكان المعروف بــ"بير الرمل" حضر فيه إطارات من
بنزرت و من تونس و على رأسهم الزعيم المناضل المنجي سليم و
كانت الغاية من عقد اللقاء الترفيه و التعارف بين
المشاركين لتوطيد عرى المحبّة و اللحمة بين الوطنيين
. كما أخبر في مذكراته ج 5 صص 37 / 41 عن ملتقى ثان قدّم فيه
روايته(= مسرحيّته) التي ألّفها بعنوان"معركة التحرير" قدّم فيها رؤيته
النضالية التي تغتبر النضال بالسّلاح سبيلا لتحرير البلاد من
الاستعمار في رؤية استشرافيّة يتوفّر فيها النضج و وضوح الهدف و
الوسيلة . و تمّ ذلك بنفس المكان في شهر جويلية 1949 . و
قد حضر الزّعيم المنجي سليم مرة أخرى و انبهر بتمثيل
الرواية و تقنياتها المتميّزة . و كانت الغاية من ذلك
توضيح منهج جديد في الكفاح الوطني و إعداد مناضلي
الجهة لمرحلة الكفاح المسلّح الذي سيبدأ بعد سنتين و نصف من
الملتقى سنة 1952 .
كما تمثّل غابة الرمال جزءا من الذّاكرة الوطنية
إذ أنّها ساهمت في النّضال الوطني بتوفير السّلاح و
اختباء المناضلين الوطنيين . و كانت ميدانا لأعمال
الوطنيين ضدّ الاستعمار الفرنسي و من ذلك قصّ أعمدة
الهاتف و تخريب أنابيب الماء التي التي ترتبط بالثكنات العسكريّة
و لا يستفيد منها سكان البلدة و هي تمر بالغابة قادمة من عين
بوراس بالعزيب على تخوم الغابة . و في ما يلي جدول في بعض
الأعمال النضالية التي أخبرني بها المناضل محمد الصالح زعيتر كما ذكر
ذلك المناضل علي المعاوي في مذكراته "خواطر و ذكريات " ج 7
ص 38..
العمل النضالي
|
القائمون به |
تخريب أنابيب الماء
بالقرب من سانية الحاج مصطفى بن صالحة و مدام صاش
بالرمال
|
مبروك القفصي
"يوسف" + محمد شبّوحه +و عبد الكريم مومن + محمد
الصالح زعيتر .
|
تخريب أنابيب الماء بالخرايب بالرمال قرب
بير البهايم
|
محمد بن عمر
الزموري + محمد الحبيب كرموص + عبد الكريم مومن +
الحبيب الشامخيّه"بابا حسن".
|
تخريب أنابيب الهاتف الرابطة بين برج الرّمال
و بقيّة الثكنات الأخرى .
|
محمد الصالح
زعيتر + مبروك القفصي"يوسف" +محمد شبّوحه.
|
كما يتذكر الشيخ محمد الصالح زعيتر في إحدى
زياراتي له قائلا :" قال سالم قباع :"كسرنا
أنابيب الماء بالرمال قرب مدام صاش
قلت لسالم:" أنا و يوسف و محمد كسرناها
قال هذا بعدكم أنا و محمد شبوحه و الحبيب
الشامخيّه " بابا حسن".
|
و كان كل ذلك سنة 1952 و قد سجن المتحدّث عنهم أو استنطقوا و
لاقوا جراء ذلك و غيره من الأعمال النضالية عذابا و أهوالا.
4*/ موضع
غابة الرّمال في الكتابات التاريخية و العلمية:
لم أطلع إلى حد الآن على كتاب
يخص موضع الرمال بدراسة تاريخية . و لئن وقعت الإشارة إلى وجود آثار
مثل حصن أبي المهزول في المنطقة بين بنزرت و رأس الجبل فإنها
مفقودة و غير محددة قال
ناجي جلول في كتابه(الرباطات البحرية
بافريقية في العصر الوسيط ) مركز الدراسات و البحوث الإقتصادية و
الاجتماعية السلسلة التاريخية عدد 9 بتاريخ 1999
"و يفهم من مسالك البكري
و نزهة المشتاق للادريسي أن هذه القرية المحصنة( الرباط) تقع بين
بنزرت و رأس الجبل غير بعيد عن مراسي بني وجاص و
الوادي و قملارية." كما قد يكون مخطوط الشيخ حمودة
الذّكواني المعنون " بـ"الدّليل في تاريخ منزل جميل "
مشتملا على ما يسعف الباحث في هذه الناحية في ما
يخصّ منزل جميل عامة و موضع غابة الرمال بالخصوص غير
أنه ضائع إلى حد الآن . و قد بذلت مجهودا فرديا
للحصول عليه مع ابنه محمد غير أن تسويفه و تضارب
أقواله جعلني لا أعول عليه في ذلك رغم دلالة
العنوان و إثارته. و تبقى مقالة فـ.فوبيس
Fobis في العدد
23 من المجلة التونسية Revue Tunisienne
الصادر سنة
1916 صص 72/74 جزءا من التراث المكتوب الذي يخص موضع غابة
الرمال إذ عثر هذا الباحث سنة 1915 على مرمدة لبعض
المسافرين من الناس البدائيين الرحل الذين قد يكونون أول من ترك
بصمة هي أقدم ما بقي لنا من تراث ملموس في موضع غابة الرمال.
و أما الدّراسات العلمية للموضع
فيوجد بكلية العلوم ببنزرت خاصة العديد من الدراسات
الايكولوجية التي اهتمّت بموضع غابة الرّمال سمعت عنها و لم
أصل إليها لتصفحها لإلى حد الآن.
5* موضع غابة الرّمال في
الشعر و الغناء=
كان موضع غابة
الرمال مصدر إلهام و إبداع . و لئن لم تبق لنا نصوص مطبوعة في دواوين
خاصة بالموضع فإن بعضها يبقى شاهدا على أثرها ذاك و من ذلك قصيدة
بلدي يا جميل للرسام عبد الرحمان بلخشين التي غنتها فرقة العندليب و
سجّلتها التلفزة التونسية في برنامج لو سمحتم الذي نشطه المرحوم
نجيب الخطّاب و صارت هذه القصيدة المغناة جزءا من تراثنا و خير رسالة
عرفت بها منزل جميل و شاطئها على النطاق الوطني بل كان
التاأثير أوسع من ذلك.
تقول القصيدة في بدايتها =
بلدي يا جميلْ يا شمس الأصيلْ
شط الرمـــالْ زادو جمـــــــال ْ
و إلى جانب ذلك توجد أغاني كشفية ألفها المخيمون
الذين مكثوا في ذلك المكان و أعجبوا بجماله و أنسه. و من بين تلك
الأغاني واحدة تقول في بدايتها =
الرّمالْ الرّمالْ ينادينا بزهوه
6* موضع غابة الرّمال في الرسم=
حدّتني الشيخ
محمود بن دولات عن رسام يدعى Nicolas و زوجته كانا يرسمان
في الثلاثينات من القرن العشرين لوحات زيتية لمنطقة منزل
جميل ، و قد يكون بعضها يخص الغابة و الشاطئ في ذلك
الوقت . و لا بد من البحث عن هذين الفنانين و عن أعمالهما
التي تخص منزل جميل.
7* موضع غابة الرمال في
التصوير الفوتوغرافي=
يوجد كم كبير
من الصور الفوتوغرافية الجديدة و القديمة ترتبط بهذا
الموضع بعضها له دلالة شخصية أو علمية (و نقصد بذلك
أبحاتث التلاميذ و الطلبة في علوم الحياة و الأرض) و بعضها الآخر
له بعد تاريخي مثل الصور الفوتوغرافية التي تؤرخ لتشجير الغابة
إن وجدت و بقيت أو بناء الثكنات العسكرية و مواقع المراقبة
أو تلك التي تهم الجنود الألمان أو الفرنسيين أو الطليان
أو الأمريكان في الحرب العالمية الثانية التي احترقت فيها غابة
الرمال بسبب الأحداث سنة 1943 ،أو تلك التي أرخ بها
المناضل علي المعاوي للأحداث الوطنية بالمنطقة (
ملتقى الرمال الأول (1948) و الثاني (جويلية1949) أو التي تهم تدشين
بعض المؤسسات الموجودة في الموضع أو التي توثق لبعض
الأعمال الفنية كالأفلام و المسلسلات و غيرها .
8*
موضع غابة الرمال في المسرح=
أنتجت جمعية النجم التمثيلي بمنزل جميل(1950/1952 ثم 1954/1955 )
تمثيلية لها عناوين متعددة"اتق شر من
أحسنت إليه"
و "حمدي الغادر" و
"عاقبة الجهل" تدور أحداثها في
الغابة . و قد أوحت غابة الرمال ببعض مشاهدها و وقع تقديمها
بدريبة دار الغربي في الخمسينات بحضور السيد أحمد بن
صالح الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل .
و قام بدور حمدي السيد حسن
بوعشير الصياد بالغابة و كان السيد محمد الصالح
زعيتر مخرج الرواية صحبة سالم قباع المدير الفني
للجمعية . و كان الشيخ محمد الصالح الذي حدثني عن ذلك هو الذي
أحضر العصافير من الغابة و جمعها في قفص . و لما حان وقت إطلاق
الصياد النار طارت العصافير من القفص و فرت مبهورة
بالأضواء و صوب الصياد بندقيته نحو العصافير و إذا
بطلقة حقيقية من وراء الستار أطلقها السيد محمود بن
سعيد الغربي . فكأن المشهد في غابة حقيقية . فأعجب
السيد أحمد بن صالح بهذا المشهد و قال للسيد الحبيب طليبه :"
هؤلاء يجب تشجيعهم ...."
و للأسف لم يبق أي أثر لتمثيليات
الجمعية لأن أعضاءها أتلفوها بالحرق و التمزيق بسبب
سوء العلاقة بين الثقافة و السياسة في ذلك الوقت!.
9* موضع غابة الرمال في
الوسائل السمعية البصرية:
وقع تصوير بعض
الحصص الإذاعية و التلفزية بغابة الرمال . كما عرفت بها
هذه المؤسسة من خلال بث الأغاني التي تتغنى بغابة الرمال و خاصة
تلك التي أنتجتها فرقة العندليب ببرنامج لو سمحتم للمرحوم نجيب
الخطاب . كما وقع تصوير بعض الأفلام و المسلسلات التلفزية بها و
نذكر على سبيل المثال مسلسل "غادة" التونسي إلى جانب
ومضة إشعارية لمشؤروب
VIRGINE .
10* موضع غابة الرمال
في الحياة اليومية للناس و في الصناعات التقليدية:
تعتبر غابة الرمال مصدرا للحطب الذي كان له دور كبير في
الحياة التقليدية كما كان للغابة أيضا ارتباط بصناعة
الأطباق التي يستعملها أهالي منزل جميل لحمل الخبز إلى
الكوشة أو لفتل الحلالم و التليتلو و مقرونة الايدين و نشر
النعناع و سائر التوابل التي تصنعها النساء بأنفسهن في المنزل و
تصنع هذه الأطباق من نبتة الذرو المنتشرة في
المكان. و أما العولة ( الكسكسي و المحمص و الكعابر و البرغل
و ملثوث الشعير و الهريسة و غيرها) ؛ فكانت تطبخ و لا تزال - و
إن كان ذلك بصفة أقل - على نار حطب غابة الرمال .. و يكاد استعمال هذه
الأطباق ينعدم بعدما كان منتشرا بين الأهالي خاصة في القرن
الماضي.
و إلى جانب ذلك حدّثني السيد حسن
بوعشير عن مساهمته مع زميله المعلم ادريس اللافي في
مقاومة الأمية في حضائر العمل بغابة الرمال تحت الخيام
التي يقطن بها العمال في بداية الستينات و
بذلك ساهما في رفع غشاوة الجهل عن العديد من العمال الذين
كانوا يشتغلون في موضع غابة الرمال للحفاظ على هذه الثروة
الوطنية من التلف.
II*/
علاقتها(=غابة الرمال) بالمدينة:
هذه العلاقة ذات
وجهين ايجابي و سلبي
أما
الوجه السلبي: فيتمثل في
النظرة الأخلاقية لموضع غابة الرمال عند أغلب أهالي
المدينة و السبب في ذلك
*وجود الخمارة و نزل الرمال سابقا و قد جعلا صورتها
و علاقة أهالي منزل جميل بها تقوم على الريبة و العداء ؛
*كما أن وقوع بعض جرائم الانتحار أو القتل أو الاعتداء
الجنسي أو الجسدي قبل أن تصبح الغابة شبه آهلة بالتوسع العمراني
المتمثل في حي الرمال ؛ ساهمت في تلطيخ سمعة الغابة و تفشي
ضرب من ضروب الرهبة و الخوف و الشعور بعدم الأمان في
الغابة خصوصا لدى الكبار .
و من جهة أخرى فقد ساهمت الغابة في
تمليح الآبار و تجفيف المائدة المائية السطحية
لأن الغابة ما فتئت منذ قرن تستهلك كمية كبيرة
من الماء تستنزف خزان المائدة المائية على
نطاق واسع ساهم في الإضرار بالفلاحة خصوصا في فترة
الجفاف الأخيرة آخر الثمانينات من القرن الماضي مما
انجر عنه ترك العديد من الفلاحين لأراضيهم و تحول
الطابع الاقتصادي العام و العقلية عند أهالي المدينة
إلى عقلية استهلاكية ترتبط بالطابع الصناعي و التجاري
المتفشي يوما بعد يوم فيها و العزوف عن خدمة الأرض
الأمر الذي زاد في استفحال ظاهرة الهجرة إلى الخارج . مما انجر
عنه قدوم وفود جديدة من النازحين لتعويضهم و الحلول محلهم . و قد ساهمت
الغابة و تخومها في احتضان هؤلاء الوافدين الجدد من الفقراء
الباحثين عن الشغل فتكونت تجمعات عشوائية منها (بير رمل )
في منزل جميل و (حي 7 نوفمبر) بالعزيب.
و أما
الوجه الايجابي لموضع غابة الرمال فيتمثل في أنه :
* اقتصاديا
- يمثل مورد رزق للعاملين فيه
- كما يوفر ملايين الوحدات العلفية للرعاة
- و له إشعاع سياحي رغم ضعف البنية الأساسية للسياحة الجهوية و
المحلية و خاصة بعد التخلص من نزل الرمال و تقسيمه و
بيعه قطع أرض بيضاء صالحة للبناء ؛ و يتمثل ذلك في الرحلات
الترفيهية و الدراسية مثل الدراسات الايكولوجية للغابة و
الشاطئ و المصيفات التي ينزل أصحابها ضيوفا على المدينة.
و ينبغي التفكير جدّيّا في استقطابهم و حسن معاملتهم
ليعودوا و يستمتعوا بموقع غابة الرمال التي تساهم في النشاط
الاقتصادي في فصل الصيف خاصة و ذلك لأن الزوار من المدينة أو من خارجها
في حاجة إلى الغذاء و الراحة و المتعة .
- مصدر الحطب
للتدفئة و الطهي و تسخين الحمامات و الأفران و وضع حدود
لقطع الأرض و الاستعمال في مجال البناء.
- مكان لتربية النحل
- مصدر الماء ( عين عسكر و عين بوراس) و مصدر الغذاء و قد أصبح
لها ارتباط بعادات و تقاليد جديدة حتى في الأعياد
الدينية ( عصيدة الزقوقو في المولد النبوي الشريف) و الأفراح الأسرية (
البقلاوى التي يوضع فيها بندق الغابة و الشاي بالبندق و ما أدراك
ما الشاي بالبندق )
- تثبيت كثبان الرمال و حماية المناطق الفلاحية .
* اجتماعيا
هو مكان إقامة الأفراح في المناسبات السارة
كالزواج = بقاعة الأفراح بالرمال
* جماليا و صحيا
تساهم المنابت الموجودة بالغابة في تجميل
منزل جميل و غيرها من المدن بإنبات العديد من
الأشجار كما تساهم في تنقية الهواء و توفير العديد من النباتات
الطبية مثل الكالتوس و الزعتر و غيرهما .
* ثقافيا و رياضيا
- مكان تركزت فيه العديد من المؤسسات التعليمية
مثل مركز التكوين المهني الفلاحي في قطاع العابات
بالرمال و المعهد الأعلى للصيد البحري و تربية الأحياء المائية و
في ذلك ما فيه من نفع مباشر أو غير مباشر لمنزل جميل و
غيرها من المناطق القريبة
-مصدر المتعة و الرياضة و الصيد البري و التجوال و
الاصطياف و التخييم لوجود مساحات طبيعية للعب و التدرب و
لوجود مركز التربصات و التخييم و مضيف الرمال و دار 7
نوفمبر للمكفوفين التي تعتبر أول مركز ترفيهي
للمكفوفين في تونس و لعله الأول على النطاق القاري
كما أخبرني بذلك مديره السيد محمود بوكوم .
- مصدر إلهام الشعر و إبداع المسرح و الغناء و السينما و
الاشهار و الكليبات ( و قد بلغني مؤخرا أنه يتم تصوير كليب
لواحد من المطربين هذه الأيام بين شط الرمال و كاب زبيب
و قد يرى هذا العمل الفني النور عما قريب ليزيد في
شهرة الموقع و التعريف بجماله و إقبال الناس عليه )و هذا
يعود على الأهالي بالنفع المادي و المعنوي
- مكان تثقيف و تكوين لأهالي منزل جميل خاصة ( ملتقانا و ملتقى
الفيلسوف محجوب بن ميلاد و ...) و المنتديات ( منتدى البكالوريا
و المنتديات السياسية و التعليمية و المهرجانات ( مهرجان الرمال...)و
التدريب الرياضي ( الفرق الرياضية و من ضمنها الكوكب الرياضي بمنزل
جميل ) و احتفالات آخرالسنة الدراسية كما هو الشأن مع بعض
رياض الأطفال بمنزل جميل
- هو موضوع نشاط جمعية أحباء غابة الرمال و صيانة
المدينة و مكانه و هذا لعمري له ارتباط بتنشيط منزل جميل و
إحياء ما كان خاملا أو مغمورا في طوايا النسيان.
الخاتمة
موضع غابة الرمال ضارب في أعماق التاريخ و هو يمثل جزءا
مهما فاعلا من التراث المادي و اللامادي و هو في انتظار من
يزيل عنه الغبار و يستثمره ليضيفه إلى ما تكون من رصيد إيجابي
يرتبط بالمدينة في حاضرها .و مزيد العناية بالموضع جماليا
كفيل بجعله مزارا عائليا و موضع استقطاب آمن
لجموع الزائرين كما لا يفوتني أن أدعو من له اهتمام
بالبحث التاريخي و الأرشفة أن يضم صوته إلى صوتي
للمطالبة باسترجاع القطع الأثرية التي أخذها الباحث
الفرنسي فوبيس
Fobis سنة 1915و مزيد إبرازها و التعريف بها
في متحف باردو قبل أن يتركز متحف خاص بمنزل جميل
الذي بدأنا في تركيز نواته منذ الثمانينات في نطاق جمعية
الكشافة التونسية ثم ضاع الرصيد الذي حصلنا عليه
من الأشياء النادرة التي اتلفت بعدما نبذت بالعراء و لن
تعود بعدما ذهبت . و لذا فلا بد من تحسيس المواطنين بأهمية
الغابة ليستفيدوا منها أتم الاستفادة.
و السلام
عليكم و رحمة الله و بركاته
* هذا نص
محاضرة قدمتها في شهر التراث2005؟
المراحع:
1* ابن منظور= لسان العرب ج2 طبعة دار صادر بيروت
2 * La
Revue Tunisienne N° 23Annee 1916 p 72- 74
3*المعاوي
(علي) = مخطوط خواطر و ذكريات ج5
4*جمعية
أحباء غابة الرمال بمنزل جميل,
صور
من غابة الرمال