2* الصيام و الحرمان: |
يدّعي البعض أنّ الحكمة من تشريع الصّيام هي أن يحسّ
المرء بما يحسّ به الفقير من آلام الجوع و حرّ العطش فحسب و لا
يولون المتعة في هذا الشهر الكريم نصيبا من اهتمامهم . و هذا
الرأي لعمري متحيّز لفئة دون فئة أخرى و هذه الفئة هي فئة أهل
الدّثور و الغنى ممن زادهم الله بسطة في المال. و هو أيضا رأي
قاصر لأنّه ينظر إلى النّصف الفارغ من الكأس في فضائل رمضان
فينظر إلى جانب العذاب و الحرمان و كأنّ الدّين جاء لذلك فحسب
. و هؤلاء ينسون قول الله تعالى :"و أمّا بنعمة ربّك فحدّث".
مسكين شهر رمضان عند هؤلاء لأنّه معلّم فاشل ناقص يعلّم النّاس
الصّبر و الجوع و الألم ليشارك الأغنياء الفقراء جوعهم و ألمهم
و لا يعلّم الفقراء مشاركة الأغنياء ما يتمتّعون به من المآكل
و المشارب .و لكنّه بالنسبة لي على غير هذا المنطق المنحاز .إنّه
معلّم ناجح كامل يعلم الناس خلاف ما يتوهّمون بنظرتهم
الرديئة.فهو كما أرى يعلّم النّاس في النّهار الجوع و الصبر و
الإحساس بما يحس به الفقراء و المساكين؛ و هو إلى جانب ذلك
يعلم الناس المتعة و الشبع و الإحساس بما يحس به الأغنياء و
المترفون من نعيم الحياة و بهجتها ليلا . فلماذا تحرموننا من
التّلذذ بهذا الإحساس و لا تطلبون منا إلا أن نحسّ بالجوع و
الألم الممضّ .أنا على يقين من أنّ رمضان مدرسة متكاملة تعلم
الجوع و الألم و ما يتبعه من تدرّب على الصبر نهارا ؛ و تعلم
المتعة و الشبع و ما يصحب ذلك من الإحساس بالسرور و الحبور و
بهجة الحياة ليلا. كفّوا يا سادتي الغافلين عن إيذائنا بمثل
ذلك الكلام الغريب ؛ و كونوا تونسيين أصلاء و لا تنسبوا إلى
الدّين ما ليس منه من آراء متطرفة منحازة. هل إنّ أغلب التّونسيين
إن لم أقل كلهم مخطئون حين ينفقون في رمضان أضعاف ما ينفقون في
الإفطار.ألا تظنون معي أن دعوة التّونسيين إلى البخل و الإمساك
عن الإنفاق و التّدنيق في المصروف ليس سوى ادّعاء ضدّ منطق
السوق و ضدّ سنّة الحياة.فإنّما جعلت الأفواه لتأكل و خلقت النّعم
ليستمتع بها المرء مدّة حياته . و إن لم يكن الأمر كذلك بات
خلقها عبثا و اكتشاف منافعها باطلا. يا سادتي الغافلين !
المسلم التونسي و المسلمون عموما خبراء في الاقتصاد و أبطال في
التّدنيق في الإنفاق لأنّهم يوفّرون طيلة السنة و يحرمون
أنفسهم من الكثير من الطّيّبات ليستمتعوا في شهر الله. و إن
كنتم تحبّونه حقّا فطالبوه بالتّقشف في كل شهور السنة و لا
تطالبوه بذلك في شهر الصيام أيضا.و إن كنتم تخشون عليه من أن
يزيغ فقد شرع الله الصدقة و دعا إلى التكافل و حثّ على التّضامن.فتصدّقوا
على الفقراء و لا تبخلوا و شركوهم موائدكم كما يفعل
بعض أهل الخير
في هذه المواسم و المناسبات. فما سعي التونسيين من أهل
الفضل و السعة في الرزق إلى مدّ موائد الإفطار و تصنيف المآكل
فيها و دعوة الفقراء إلى حضورها و الاستمتاع بأطايبها إلا عين
الصّواب . و ليس ذلك منّة و إنّما هو واجب المؤمن الحقيقي الذي
يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه. فادعوا الله أن يزيد ثروتنا و أن
يسهل دخول المال الحلال جيوبنا حتى نحمده على نعمه حمدا يليق
بربوبيته .فليس من المعقول أن نحمده على ما أحسسنا به من ألم
الجوع و النجاة من الموت بسببه فحسب ؛بل الأولى أن نحمده عز و
جلّ على نعمة الحياة و الإحساس بعظيم فضله علينا.
و السلام
Partager
|
|
|