المدينة و تراثها في الشعر العربي

انظر أيضا
دراسات و أفكار
 موضع غابة الرمال في التراث
المدينة و تراثها في الشعر العربي
تاريخ الصيام
الصيام و الحرمان 
موقف من الحجاب
ضرب المرأة
الأنثى في ديوان "قصائد من تحت الأنقاض" للشاعر نجيب بن علي
شاب أحرق بلدا
الثورة التونسية
تقبّل موت حاكم قرطاج
الآن توضحت الصورة

بين حرّيّة التّعبير و قداسة الذّات الإلهيّة

هل الثورة حاالة مؤبّدة؟
النّقاب أو العري
تجديد فهم الإسلام
لماذا لا تكون الشرائع مقدّسة إلاّ بوجود الأنبياء و الرّسل؟
هل النّساء وحدهنّ ناقصات عقل و دين؟
في المعنى اللّغويّ للخلافة
من أنا؟
تعريف
قصصي
أشعاري
مسرحياتي
تحقيق
ترجمة
دراسات
مواقع

  •   تقديم:
       
    * المدينة = فعيلة من مدن = بالمكان:أقام به
    *الحصن يبنى في أصطمة (=وسط )  الأرض مشتق من ذلك ,  و كل  أرض  يبنى بها حصن في أصطمتها  فهي مدينة.
          * التراث = ما يخلفه الرجل لورثته و التاء فيه بدل من الواو .
    فنحن إذن نهتم بذلك الشعر
    , الذي يهتم  بالمدينة قديمه وحديثه  ومعاصره  ؟؟؟ لكن أية مدينة ؟؟؟(# البادية و الريف )  وما أبقاه الأموات فيها مما يدل عليها وهو لعمري عمل كبير شامل لا يسمح به الحيز الزمني المخصص للمداخلة ( =15 دقيقة )
         و لذلك سوف تكون هذه المداخلة عامة أشبه ما يكون بالمدخل لدراسة المدينة و تراثها لدى جملة من الأدباء القدامى و المعاصرين ممن يمكن الاستئناس بهم لمعرفة مدننا و رجالاتها و تراثها الذي هو بالفعل كنز.و لكن هل الشعراء أشبه بالصحافيين أو المصورين التسجيليين في حفاظهم على هذا التراث أم أن لهم لمسة فنية تجعلنا لا نأمن لما جاء في شعرهم عن هذه المدينة و تراثها أم ننساق مع الرأي القائل الشعر ديوان العرب يحفظ أمجادهم و تاريخهم و تراثهم و يصور حياتهم تصويرا أمينا؟.
    *أولى تلك الملاحظات العامة أن شعر المدينة يمثل النسبة المئوية الأكبر من الشعر العربي المكتوب قديمه و حديثه و معاصره.
    *لا باعتبار قائليه ممن عاشوا في المدن و صوروا حياتهم وما فيها من عمران و أحداث و أخلاق و قيم فحسب بل لأن القطيعة مع البادية و قيمها سريعا ما ظهرت بانتشار الإسلام باعتباره دينا مدنيّا ينبذ العودة إلى البادية و قيمها في مثل قول الرسول صلّى الله عليه و سلّم من تبدى فقد كفر و إن كان ذلك قد تم بالتدريج.و لئن ذهب الدكتور مختار علي أبو غالي في كتابه المدينة في الشعر العربي المعاصر ص10 إلى أن المدينة كموضوع فكرة شديدة المعاصرة,ترتبط بالقرن العشرين و منجزاته,و الشارة إليها قبل ذلك لا تعدو أن تكون مواقف متناثرة لم تخلق من المدينة موضوعا شائعا,حيث ينطلق الشعر المعاصر من المفهوم حضاري في تطور جديد للكون و المجتمع و الإنسان, بفعل من الثورة العالمية في مستوياتها الاجتماعية و الفكرية و التكنولوجية.فلعل موقفه هذا لا يخلو من مبالغة  و انبهار بما للمنجز الغربي في هذا الموضوع. و أظنّ أنّ النظرة النّقدية للمدينة أصبحت فيه أوضح و أظهر و أكثر شيوعا فليست المدينة موضوعا شعريا هي الفكرة شديدة المعاصرة بل الموقف و طريقة التناول هما اللذان تغيرا في الشعر لتغير ظروف العصر لا غير.                                      
    *في الشعر الجاهلي=                                                                          -
           يقول أندري ميكال:لإبلاد العرب إلى ظهور الإسلام  تمتد شمالا نحو سباسب الشام و ما بين النهرين و قد تكونت هناك ممالك تخضع لدولتي ذلك العصر الكبيرتين و تحمي لفائدتهما تلك الحدود. ففي بلاط الغساسنة بالشام و لكن خاصة بالحيرة عاصمة اللخميين بالعراق على حدود الفرات نشأ شعر بلاط معانيه لا تختلف ألا قليلا عما نعرفه في شبه الجزيرة ألا أنه قام بدوره في أدخال كلمات آرمية و فارسية و مفاهيم مقتبسة عن المسيحية أو عن المانوية الفارسية.ص18                                                                                 
    و يقول بعد ذلك: إن المدينة و البادية متضامنتان... ثم ان المدينة و البادية نظامهما الأساسي واحد و هو النظام القبلي فما المدينة تقريبا من هذه الوجهة ألا قبيلة مستقرة و بعشائرها تعرف مختلف الأحياء و اخيرا فان المدينة ما انفكت تعيش على نظام قيم أخذت من البادية في محيط الأخلاق البدوية التقليدية.ص18 و 19                                                                                               
    و الذي أراه و أذهب إليه أن ما بقي من البادية قيمها و لذلك ازدهرت و ظهرت في الشعر و إن كان مرتبطا بالمدينة و لكن ما يزول في المدينة و يتغير من بنايات و آثار لم يكتب له البقاء لتغيره المستمر و مع ذلك فقد بقي لنا من هذه الآثار ما تحدى الزمان و مثل ذلك الخورنق و السدير و هما قصران للنعمان تغنى بهما الشعراء و أصبح المثل يضرب بهما في الحسن..................            
    * صدر الإسلام و العهد الأموي=                                                          
    *زد على ذلك أن فتح المدن و حركة بنائها و العيش فيها مذ غير الرسول  ص  اسم يثرب باسم جديد هو المدينة ذو دلالة أساسية في تغيير الناس و قيمهم و أفكارهم الى قبول الحياة المدنية و قد بقيت البادية بدية في صورهم الشعرية و القيم المتصارعة مع القيم المدنية التي تنافس قيم البداوة و تتحداها لغلبة القيم المحافظة و التي تريد العودة إلى هذه الفترة البدئية الأقرب إلى الحياة الطبيعية في كنف الصحراء و هي القيم التي تبناها الأدب الرسمي الذي روجت له الخلافة و كافأت عليه الشعراء و ارتضته مذهبا رسميا يعيش في ظلها و يغرف من معينها.                                                                                          
    هذه ميسون بنت بحدل شاعرة بدوية تزوجها معاوية بن أبي سفيان و نقلها الى حاضرة الشام فثقلت عليها الغربة و ضاقت نفسها لما تسرى=تزوج عليها معاوية فقالت=
    لبيت تخفق الأرواح فيه              أحب إلي من قصر منيف  
    و بكر يتبع الأضعان سبقا            أحب إلي من بغل زفوف
    و كلب ينبح الطراق عني             أحب إلي منقط ألوف
    و لبس عباءة و تقر عيني          أحب إلي من لبس الشفوف
    و أكل كسيرة في كسر بيتي         أحب إلي من أكل الرغيف
    و أصوات الرياح بكل فج              أحب إلي من نقر الدفوف
    و خرق من بني عمي نحيف          أحب الي من علج عليف
    و خشونة عيشي في البدو       أشهى إلى نفسي من العيش الطريف   
    فما أبغى سوى وطني بديلا           فحسبي ذاك من وطن شريف
    *انبهار المسلمين بما رأوا من العمران المدني الذي لم يألفوا مثله في الأ{ض التي انطلقوا منها في حركة الفتح إلى جانب بعض مظاهر الحياة المدنية الجديدة نتج عنه شعر يصف ما شاهدوا مما لم يألفوا  مثل وصف ايوان كسرى  الى جانب الشعر السياسي الذي يتخذ موقفا من السلطة الأموية و منجزاتها في شتى المجالات.ازدهر في الشعر الأموي مذهب حجازي في الغزل و هو شعر كما يقول أندري ميكال= وليد المدن:الطائف و مكة و خاصة المدينة حيث تعيش مجموعة بشرية قد اشتد تعطشها إلى اللذة و التجديد لا سيم و الحجاز يظهر في غير موسم:الحج-عالما منعزلا سياسيا منكمشا على نفسه, خائب الظن يراقبه من بعيد ذلك الشام و قد أصبح قلب الدولة الإسلامية ص 44                            

    * في الشعر العباسي=

  • *ازدهار حركة تأسيس المدن و توسعتها مثل بغداد و سر من رأى و غيرهما في شتى أنحا العالم الإسلامي و ما واكب ذلك من حياة جديدة باذخة انعكست على الشعر.

  • أ.ميكال يقول ص 49:إن انتقال الشعر نحو المدن أصبح بعد أمرا واقعا, فقد تغذى فيها الشعر... و لقد وجد الشعر في نفس الوقت في هذه البيئات الحضارية جوا جديدا و لا نخص بالذكر فحسب الشعر الذي يتعلق بالمدينة في حد ذاتها كمنبع للحياة الحضارية و الثقافة و اللهو, إن المدن العباسية و بغداد منها في المقام الأول هي مدن اللقاء مع فارس الموالي و قد تركزت سياسيا إلى أعلى المراتب في جهاز الدولة  و كانت تقاليدها القومية و التاريخية و حتى الدينية في حالة أحسن من أن تكون حالة الدفاع شعر اللهو=   استأثر بالتعبير عن حياة الدعة و الخلاعة التي كانت بغداد صورة لها آنذاك في الغزل و الخمريات و تصوير مجالس الأنس في واقعية و جرأة تصل الى حد الفحش  و تصور طبيعة العصر و تتخذ موقفا من التراث الشعري السابق =
    يقول أبو نواس:
    عاج الشقي على رسم يسائله               و عجت أسأل عن خمارة البلد
    كما صور هؤلاء الشعراء و نخص منهم شعراء البلاط الحياة و الجسور و المكتبات و الأسواق و الأسوار و غيرها...و هذا البحتري يصف بركة المتوكل فيقول=
    يا من رأى البركة الحسناء رؤيتها         و الآنسات إذا لاحت مغانيها
    ....لهن صحن رحيب في أسافلها          إذا انحططن و بهو في أعاليها

  • دعنا من بركة المتوكل و لنقرأ لابن حمديس الصقلي وصفا لبركة المنصور صاحب بجاية يقول فيها=
    و ضراغم سكنت عرين رئاسة           تركت خرير الماء فيه زئيرا
    فكأنما غشى النضار جسومها           وأذاب من أفواهها البلورا
    أسد كأن سكونها متحرك                 في النفس لو وجدت هناك مثبرا
    و تذكرت فنكاتها فكأنما                   أقعت على أدبارها لتثور
    *وصف طاهر بن المظفر بن طاهر الخازن بغداد في هذه الأبيات فقال=
    هي البلدة الحسناء خصت لأهلها           بأشياء لم يجمعن مذ كن في مصر
    *قال أبو عبد الله ابراهيم بن عرفة نفطويه في وصف الكرخ=
    سقى الله أربع الكرخ الغوادمي بديمة          و كل ملث دائم الهطل مسبل
    منازل فيها كل حسن و بهجة          و تلك لها فضل على كل منزل

  • *كما نجد الأندلسيين يتغنون بما وصلت اليه مدنهم في حسنها و عظمتها و من ذلك