معركة الحجاب |
كتبت الدكتورة إقبال الغربي في
إحدى الجرائد التونسية
مقالا عنونته الحجاب زمن العولمة:عودة المكبوت و لئن كنت
أوافقها في أغلب ما ذهبت إليه في خصوص الظاهرة فأود أن أوضح
بعض الأمور :
-1- أن العرب كسائر الشعوب
القديمة كانوا يرتدون الحجاب و لئن كان ذلك شائعا معروفا
فقد عدت إلى لسان العرب و ما كتبه ابن منظور في الحجاب و ما
يرتبط به من ملبس للاستئناس به في خصوص تزيي العرب دون أن أدعي
التخصص أو الإلمام بموضوع لبس العرب.
الحِجاب:السِّتْر
و هو اسم ما احتُجِب به وكلّ ما حال بين شيئين :حجاب و الجمع
حجب لا غير ...
الخِمار
للمرأة و هو النّصيف * و قيل الخمار ما تغطي به المرأة رأسها و
جمعه أخْمِرة و خُمْرٌ و خُمُرٌ ...و في حديث أم سلمة
أنه كان يمسح على الخفّ و الخمار. أرادت بالخمار العمامة
لأنّ الرّجل يغطّي بها رأسه كما أنّ المرأة تغطّيه بخمارها . و
ذلك إذا كان قد اعتمّ عِمّة العرب فأدارها تحت الحنك فلا
يستطيع نزعها في كل وقت فتصير كالخفّيْن ...و يقال ما شمّ
خمارك أي ما أصابك. و يقال ذلك للرجل إذا تغيّر عمّا كان
عليه.
النَّصِيفُ الخمار .و قد نصَّفت المرأة رأسها بالخمار و
انتصفت الجارية و تنصّفت أي اختمرت .و نصّفتها أنا تنصيفا
و منه الحديث في صفة الحور العين: و لَنصيف إحداهنّ على
رأسها خير من الدّنيا و ما فيها . قال أبو سعيد:النّصيف
ثوب تجلّل به المرأة فوق ثيابها كلّها، سمّي نصيفا لأنه
نصَفٌ بين النّاس و بينها ،فحجز أبصارهم عنها ، قال و الدّليل
على صحّة ما قاله قول النّابغة
سقط النّصيف[و لم ترد إسقاطه***فتناولته و اتّقته باليد]
لأن النّصيف إذا جعل خمارا فسقط فليس لسترها وجهها مع كشفها
شعرها معنى.و قيل نصيف المرأة مِعْجَرُها.
المِعْجَرُ و العِجَارُ ثوب تلفّه المرأة على استدارة
رأسها ثم تجلبب فوقه بجلبابها * و الجمع المعاجر و منه أُخِذ
الاعتجار ،و هو لَيُّ الثَّوْب على الرّأس من غير إدارة تحت
الحنك . و في بعض العبارات :الاعتجار لفّ العمامة دون
التلحّي و الاعتجار بالعمامة هو أن يلفّها على رأسه
و يردّ طرفها على وجهه و لا يعمل منها شيئا تحت ذقنه . و
الاعتجار لِبْسَة كالالتحاف ...و المعجر : ثوب تعتجر به المرأة
أصغر من الرّداء* و أكبر من المقنعة*. و المعجر و
المعاجر :ضرب من ثياب اليمن . و المعجر ما ينسج من اللّيف
كالجُوالِق
[أقول كان عندنا و لا زال مثل هذا في تونس في هيأة قطعة
قماش سوداء تمكن المرأة من الرّؤية دون أن تُرىو تسمى تقريطة
تعجير و قد كانت أمّي رحمها اللّه ترتديها قبل أن تصبح عجوزا
هرمة]
.المّقْنَعة
:المِقْنَع و المِقْنَعَة الأولى عن اللحياني :ما تغطّي به
المرأة رأسها... و في حديث عمر رضي الله عنه :أنّه رأى جارية
عليها قناع فضربها بالدَّرَّةِ وقال أتتشبّهين بالحرائر؟و قد
كان يومئذ من لُبسهنّ ...
و القناع أوسع من المقنعة ...و القناع و المقنعة : ما تتقنّع
به المرأة من ثوب[= لباس] تغطّي به رأسها ومحاسنها.
الرِّداء
الذي يلبس...والرّداء من الملاحف *المِلْحَفَة اللِّحاف و
المِلحف و المِلْحفة: اللّباس الذي فوق سائر اللباس من
دثار البرد و نحوه و كلّ شيء تغطّيْت به فقد التحفت به...و
المِلحفة عند العرب هي الملاءة السِّمط فإذا بُطّنت
ببطانة أو حُشِيت فهي عند العوامّ ملحفة ...قال و العرب لا
تعرف ذلك.و
المُلاءة بالضمّ و
المدّ الرَّيْطة*، و هي الملحفة و الجمع ملاء.
الرَّيْطة المُلاءة
إذا كانت قطعة واحدة و لم تكن لِفقيْن و قيل الرَّيْطة
كلّ ملاءة غير ذات لفقيْن كلّها نسج واحد و قيل :هو كل ثوب
ليّن دقيق و الجمع ريْط و رِياط .
الجِلْباب:القميص و الجلباب ثوب أوسع من الخمار ،دون
الرّداء تغطّي به المرأة رأسها و صدرها و قيل هو ثوب واسع دون
الملحفة و قيل هو ما تغطّي به المرأة ثيابها من فوق
كالملحفة و قيل هو الخمار . و في حديث أمّ عطيّة :لتلبسها
صاحبتها من جلبابها أي إزارها*. و قد تجلبب. ...و في
التّنزيل العزيز :يُدْنين عليْهنّ من جلابيبهنّ.قال ابن
السِّكِّيت:قالت العامريّة: الجلباب الخمار، و قيل جلباب
المرأة مُلاءتها التي تشتمل بها واحدها جلباب و الجماعة
جلابيب...ابن الأعرابي :الجلباب الإزار ...قال أبو عبيد قال
الأزهري: معنى قول ابن الأعرابي الجلباب الإزار لم يرد به إزار
الحقو [= ]و لكنّه أراد إزارا يشتمل به فيجلّل جميع
الجسد،و كذلك إزار اللّيل و هو الثوب السابغ الذي يشتمل به
النّائم فيغطّي جسده كلّه...و الجلباب أيضا الرّداء و قيل هو
كالمقنعة تغطّي به المرأة رأسها و ظهرها و صدرها و الجمع
جلابيب
الإزار:معروف و
الإزار الملحفة يذكّر و يؤنّث.
القميص
الذي يلبس معروف مذكّر و قد يعنى به الدِرْع فيؤنّث و الجمع
أقمصة و قُمُص و قُمْصان
الدّرع: لبوس الحديد تذكّر و تؤنّث...و درع المرأة
قميصها و هو أيضا الثوب القصير تلبسه الجارية الصّغيرة في
بيتها. و كلاهما مذكر و قد يؤنّثان . و قال اللّحياني درع
المرأة مذكرلا غير و الجمع أدراع .و في التّهذيب :الدّرع ثوب
تجُوب المرأة وسطه و تجعل له يدين و تخيط فرجيه . و دُرِّعَت
الصّبيّة إذا أُلبست الدُّرع.
-2- - أن ما اعتبرته فرضا لمؤسسة الحجاب إنما هو بداية
الإنعتاق منه باعتباره كان موجودا و ما أمر نساء النبي إلا
تثبيت لما درج عليه العرب مما يسمى مكارم الأخلاق التي جاء
الرسول صلى الله عليه و سلم ليتممها.
-3- أن أضعف نقطة في
مقالها إنما تتمثل في ما احتجت به من أمثلة الثورة على الحجاب
و" التوق إلى السفور و القضاء على التحجّب" .فما أذهب إليه هو
أنه لا يصح أن نحتج للسفور من التراث فنكون بذلك قد عدنا إلى
الوراء فيما نحن نطمح إلى المستقبل .و نكون قد تناولنا المسألة
من الخارج دون معالجة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى
تفشّي الظاهرة .
-4- أن نعتبر كل من
يلبس الحجاب إنما هو يتخذ بالضرورة موقفا عدائيا ضدّ الدولة
التي أصبحت تدعو إلى اتخاذ الفولارة التونسية التقليدية في حين
أننا نشاهد إطارات و كوادر يتزيين أو تتزيى به نساؤهم و بناتهم
المتحجبات لأنهم باختصار يمثلون الرؤية الثبوتية التي تروم
المحافظة على ما هو سائد من القيم فيعبرون بلبسه عن ذلك أو
لأنهم يخافون من الانجرار وراء مد الثقافة الوافدة التي تكتسح
الميدان و توقع في الحيرة ببهرجها.
و لذلك أرى أن هذه المعركة خاسرة لأنه ليس لها جنود أوفياء
ذلك أننا نعيش تناقضات بين الفكر و السلوك و بين الخطاب الرسمي
و السلوك اليومي بين ظاهر موال و باطن مستغلّ.
-5- لا بدّ من رؤية جديدة للعالم من حولنا و لذلك لا
يمكن أن نتحدّث عن السفور و نزع الحجاب و نحن نلبس حجابا من
الأفكار و القناعات تكبلنا و تشدنا إلى الوراء .
-6- كيف نتحدّث عن مؤسسة الحجاب
و وجوب فرض السفور في حين أن العقلية السائدة عقلية ذكورية
تنظر إلى المرأة نظرة تشييئية سواء دعت إلى الحجاب أو هي
دعت إلى السفور.
واجب الدّولة:
لا بدّ من أن تكون طرفا محايدا في الصراع
الاجتماعي بل الأولى أن تتغير هي من الداخل قبل أن يفرض عليها
التغير من الخارج سواء من الأطراف الاجتماعية المحلية أو من
الأطراف الخارجية الدولية . و لا يكون ذلك إلا بعقد اجتماعي
يتغير باستمرار كلما اقتضت الأوضاع الاجتماعية الجديدة
المتحولة باستمرار ذلك.
لماذا تنتظر الدول أن تغيرها
شعوبها؟ و أي زيّ نريد؟
أهو زي التقاليد و الآباء و الأمهات و الكتب القديمة أم هو زي
الغرب الذي تروّجه وسائل إعلامه وكتب الموضة و مجلات الدرجة
والأفلام و البرامج التعليمية أم هو زي آخر نتّفق عليه و
نرتضيه لنا زيا و لباسا؟
أرى أنّ القضيّة مغلوطة فلا فرق جوهريّ بين لباس يغطي
كامل البدن و لباس يستر بعضه و إن كان ذلك يعد تغيرا كبيرا في
وظيفة اللباس كما ذهب إلى ذلك هيغل إذ اعتبر وظيفة اللباس هي
الكشف و إبداء المحاسن و الجمال على خلاف الوظيفة التقليدية
للباس التي هي الستر و الحجب في الحضارات القديمة.إذن يكمن
الفرق في القضية بين الإيمان باللباس في حدّ ذاته أو طرحه
كلّيا و تغييره بما يجعل البشرية تنفي الفوارق بين الرجل و
المرأة أو بين ثقافة و أخرى و لكن هل نحن مستعدون للتضحية بإرث
قرون من التجارب و التطوير و الإضافة و القوانين و التفاصيل و
النماذج .
لماذا وصلنا إلى ما نحن فيه
؟
دعت الدولة التونسية الفتيّة غداة الاستقلال إلى السفور وكانت
وسيلة الإقناع السخرية من اللباس التقليدي الذي أصبح دليلا على
الرجعية و التأخر و الماضوية و السلفية وعدم مواكبة العصر و
سواء كان ذلك جبة(لنتذكر المثل الشعبي يا ما تحت الجبايب عجايب)
أو برنسا أو ملية أو سفساري أو فولارة أو تقريطة أو لحفة أو
فراشية أو قشابية أو كدرون أو كبوطة أو غيرها و نجد ذلك
في المسرحيات و الأفلام و الأغاني و المقالات الصّحفية و
الأعمال الأدبية التي واكبت الحملة لتعديل الكفة ضد ّموقف بعض
الزواتنة من الحداثة التي يمثلها زعماء الدّولة الفتية في فترة
ما بعد الاستقلال .
لقد روّجت وسائل الإعلام التونسية و
ربّما لا تزال إلى صورة المرأة المرغوب فيها و هي ليست المرأة
التي يعيش معها أغلب التونسيين . فأصبحت النظرة إلى المرأة
مزدوجة .
1* المرأة التي تعيش معها و من أسرتك و تحافظ عليها و ترعاها و
تتعارك من أجلها وتقتل صيانة لشرفها باختصار هي المرأة
التي تملكها أو تشعر بأنها تدخل في حرمتك أو يفترض أن تكون
كذلك
هي امرأة ذات قيمة رمزية
عالية.
2* المرأة الأخرى التي تعيش خارج هذا الحرم و يمكن أن تكون
عدوّا أو سلعة للاستهلاك الفوري هي امرأة ذات قيمة مادية
منحطة.
فما الحل ؟
أرى أن نطلق الأمر من بوتقته التي حشرناه فيها . و أن تكون الدولة هي
الحامي للإفراد من اعتداء بعضهم على بعض في هذه الأزمة التي هي
بالأساس مرتبطة بالمسألة الاقتصادية و لا علاقة لها بالدين و
لا بالمعتقد.
-1*جريدة الصباح
التونسية بتاريخ الأحد 15 أكتوبر2006
-2*ابن منظور
(لسان العرب ط1 دار صادر بيروت
1410هـ:1990م )
Partager
|
|
انظر أيضا
|