الوصف الواقعيّ                                                                      
    الوصف و المنظور:
 نشاط القراءة و الكتابة في مدرسة إعداديّة.
 لماري كريستين فانسون                                                              تعريب الأستاذ محمّد الهادي الكعبوري.

        يتيح لنا  الاشتغال بالمنظور من خلال التّدرّب  على النّصّ الوصفيّ الواقعيّ مقربة  مفهومين أساسيّيْن في خصوص قراءة النّصوص و كتابتها المترابطيْن ترابطا غير مصطنع. و في الواقع يضطلع الرّاوي/ الواصف بإنجاز مهمّة الوصف،و لكنّ اختيار الاشتغال بموضوع الوصف و المنظور داخل القسم يعني كذلك إرادة استعمال وسائل العمل التي يقترحها كلّ من نحو النّصوص و علم تصنيفها في ملفوظات تهيمن عليها السّرديّات الحديثة. و أعمال فيليب هامون في الوصف لتؤكّد ذلك .
I .تقديم نشاط الكتابة الذي ينتمي إليه العمل :
            التزم قسم ثالثة  يعدّ 23 تلميذا بكتابة رواية قصيرة
[Micro Roman] شأن بقيّة ا|لأقسام و ذلك في إطار مشروع كتابة طويلة تسعى مدرستهم إلى إنجازه [1].و قد اختار قسم الثّالثة (4)نوع رواية السيرة الذّاتيّة [للكتابة فيه]؛و لعلّ قراءة"الطّفل"لجول فاليه الذي زامن ذلك المشروع هو الذي قاد و لو جزئيّا،إلى هذا الاختيار. و قد قرّر أن يكتبوا عن الحيّ على غرار بقيّة تلاميذ المدرسة. و باعتبارهم مستعملين،(تلاميذ و متساكنين)،لمقرّ إعلاميّ رفيع الشّأن(Les Minguettes)، فقد أرادوا كتابة مدينتهم التي دبّج فيها غيرهم من صحافيين الكثير.
         و تتطلّب رواية السّيرة الذّاتيّة حضور الأنا الراوي الذي يضطلع بمهمّة السّرد . و أمّا الوضعيات و الشّخصيات فيمكن أن تكون واقعية أو متخيّلة،(و لا يعني هذا تعرية الذّات داخل النّصّ)،غير أنّه يجدر بالمكان أن يكونقابلا للتّعيين.و لإيجاد(
Les Minguettes) داخل النّصّ الذي بدأ التّلاميذ في تدبيجه يجب الكتابة؛ .فطرح مشكل الكتابة بسرعة.
         و بما أنّ الأمر يتعلّق بالحديث عن مكان واقعيّ و ب
إعطاء نظرة شخصيّة عنه ؛ و لكن أيضا حقيقيّا بجعله قابلا للمعرفة ،فإنّ  نموذج الوصف المختار  هو الوصف الواقعيّ . و هذا الاختيار مبرّر بنمط الكتابة الذي يجب أن يندرج ضمنه  و هو رواية السّيرة الذاتيّة . و في الحين توضع على بساط البحث مشكلة ثانية:كيف ندبّر أمر المنظور في النّصّ الوصفي باعتبار المكان مرئيّا من قبل أنا رواية السّيرة الذّاتيّة.تطرح هذه المشاكل تقريبا في نفس الوقت الذي يشرع فيه كلّ تلاميذ[ القسم ] في نشاط  الكتابة. و بسرعة تنقاد مجموعات الكتبة(بعد اقتراح إمكانيّة الكتابة فرديّا أو ثنائيّ من البداية )&لى الحديث  عن  المكان الذي تدور فيه أحداث حكيّهم. إنّنا نريد عرض هذا النّشاط المحدّد و الذي هو في نفس الوقت جزء من مشروع أكبر هو إنجاز رواية صغيرة الحجم.
الشّروع في العمل :
         في البداية وقع اقتراح تمرين شفويّ يمكّن من استخراج السّمات المميّزة للنّصّ الوصفيّ، و يتمثّل التّمرين في أن يذهب تلميذان الواحد تلو الآخر إلى النّافذة ثمّ يصفان ما يريان . و يمكن لكلّ تلميذ أن يتحقّق عندما يأتي دوره في النّظر عبر النّافذة أنّ التّلميذين الواصفيْن قد اختارا بعض العناصر من كلّ ما بدا لأعينهما و أنّهما عرضاه في نسق معيّن منظّميْن بذلك وصفهما.بحيث يمثل أمام أعينهما الصّراع الموجود بين تزامنيّة رؤية الشيء(و هو أن ترى  كلّ الأجزاء في نفس الوقت)و بين تعاقبيّة الكلام أو الكتابة الخاضعيْن لمبدإ الخطّيّة  . كما ندرك كذلك فاعليّة الاختيار  المرتبط بالواصف : فـ"عبد الرزّاق "لم يسترع انتباهه ما استوقف نظر "صافينا" من عناصر . فكتابة وصف إذن تتطلّب  معرفة اختيار العناصر التي يدركها  الأنا الواصف  و تنظيمها .
     لكنّ تعداد الطّلبات و الحاجيات لا يتوقّف  عند هذا الحدّ، إذ يجب أن يجد الوصف له مكانا داخل الحكاية التي  يكتبها التّلاميذ . و هنا يتدخّل ما يسمّيه ريكاردو
Ricardou بـ"حياد النّصّ [belligérance][2] [إذ]كيف نوقف مجرى الأحداث؟و كيف نبرّر  حضور الوصف بالنّسبة إلى السّرد ؟ و كيف نخفيه حتّى لا يبدو  إيقافا مفاجئا في غير  زمنه للحكي؟
      و بعد طرح المشاكل التي ينبغي حلّها  يصبح الأمر متعلّقا بوضع استراتيجيات كتابة  توضّح إلى أقصى حدّ ما ينبغي اتباعه من إجراءات حتّى يتقدّم كلّ تلميذ في ما يكتب .
II
مقاربة أولى للنّصّ الوصفي و المنظور:
1- يسلَّم كلّ تلميذ من تلاميذ القسم النّصّ التّالي :

     فتح الضّابط النّافذة بسرعة ،و كأنّما نقص الأكسجين في رئتيه ،فجاء ليتنفّس في هذه الشّرفة العريضة هذا الهواء النّقيّّ الذي تسكبه إحدى ليالي شهر جويلية الجميلة.
      و تحت ناظريه المستحمّين في الأشعّة القمريّة ،ينحني حزام حصين تنتصب داخله كاتدرائيّتان و ثلاثة قصور و مستودع أسلحة، و حول هذا الحزام تظهر ثلاث  مدن بجلاء هي:كيتاي غورود و بيلوي غورود و زيمليانوي غورود ، و أحيا أوروبيّة  أو تتريّة أو صينيّة ممتدّة تهيمن تهيمن عليها أبراج و نواقيس و صوامع و قباب ثلاثمائة كنيسة؛ الرئيسيّة منها  خضراء تعلوها صلبان فضّيّة . و يعكس نهر صغير ذو مجرى متعرّج  أشعّة القمر هنا و هناك . و يشكّل هذا المجموع كلّه فسيفساءعجيبة من المنازل  المختلفة الألوان ،المنتظمة داخل  إطار واسع على طول عشرة فراسخ.
        و أمّا هذا النّهر  فهو نهر موسكوفا ، و أمّا هذه مدينة فهي مدينة موسكو، و أمّا هذا الحزام الحصين فهو الكرملين ، و أمّا ضابط قنّاصة الحرس الذي كان ينصت من غير أن يتبيّن بشكل واضح الضّجيج الصّادر عن القصر الجديد المتّجه نحو الحيّ  الموسكوفيّ العتيق، مكتوف الذّراعين مفكّرا، فهو القيصر.
[3]

       هذا المقطع القصير المتركّب من ثلاث فقرات حُدّد بسرعة على أساس أنّه وصف و أّخضع للتّحليل  و الدّراسة الجماعيّة.
       فالفقرة الأولى لا تتحدّث عن المنظر المشاهد و ‘نّما عمّن يشاهِد. فوظيفتها التّمهيديّة واضحة إلى جانب الخطوط المميّزة  التي تكوّنها . و زيادة على
الشّخصيّة التي ترى(الضّابط)استخرج التّلاميذ مكان رصد للمشاهد(نافذة،شرفة عريضة)و ذريعة للوصف(كأنّما نقص الأكسجين في رئتيه فجاء ليتنفٍّس )و ظروفا مناسبة ت
مكّن من الرؤية(هواء نقيّ،إحدى ليالي شهر جويلية الجميلة).فأدّت الفقرة الأولى وظيفة كأنّما هي ضرب من التّأطير فبدا الوصف (و هو عمل الكاتب ) و كأنّه شأن  يهمّ الشّخصيّة . و هذا يسمح بــ:
- تبرير توقّف السّرد.
- و تأكيد المنظور(عسكريّ مهيمن على المكان  ينظر ).
         و أمّا الفقرة الثّانية فقد وقعت دراستها  بادئ ذي بدء بأن طُلب من التّلاميذ تصوير المشهد في مثال مبسّط طبعا و من ثمّ فُهِم  الفضاء و هيكل  الرؤية بطريقة غير مباشرة.

      و يلزم الرّسم التّلاميذ بقراءة متأنّية و يُيسِّر ضبط الكلمات و العبارات التي تمكّن من تحديد الموصوفات  .كما يبيّن الرّسم نسبيّة ضرورة موضعتها . و سريعا ما ينتبه التّلاميذ إلى غياب  التّقصّي في هذا المجال. و إذا ما كانت الكاتدرائيّتان و القصور الثّلاثة و مستودع الذّخيرة  موجودة داخل الحزام  فإنّه لا توجد أيّة عبارة تسمح بجعل  المستودع على يمين الواصف  أو على يساره  أو أمامه . و هذه الملاحظة ليست معزولة إذ يوجد مثيل لها :المدن الثّلاث و النّهر ذو المجرى المتعرّج .
       و في الحقيقة فإنّ الوصف الواقعيّ ليس نسخا للواقع و لا صورة له و لكن ينيغي أن يُبرز هذا الوصف أثر الواقع كما ينبغي أن يُشعر بانتماء  القارئ إلى بيئة شبيهة به.
       بعد[معرفة] المسائل الخاصّة بالموضعة ،نتناول  مشكل اختيار العناصر المحتفظ بها لوصف المشهد،فنظرُ الواصف لا يركّز و لا يفصل القول إلاّ في العناصر التي تمثّل التعبير عن السّلطة. و لذا يطلب من التّلاميذ  استخراج قائمة الأشياء المرئيّة و إبراز السّلطات التي ترمزلها.و(يمثّل الحزام الحصين و مستودع الذّخيرة :السلطة العسكريّة.و القصر:السلطة السّياسيّة.و الكاتدرائيتان و النواقيس و الصّوامع : السلطة الدّينيّة...)كما تشير التّدقيقات العدديّة(كاتدرائيّتان...الخ)إلى قوّة الدّين و صرامته(مثال ريفي) و يؤكّد النّصّ نفسه هذه القراءة، و إذا ما كانت المدن الثّلاث المختلفة مشارا إليها فإنّ المنازل التي تكوّنها لم تكن البتّة موضوع أيّ تعليق دقيق ،و أمّا بالنّسبة إلى تأثيرات اللّون و النّور فهي قليلة العدد و التّنوّع ، و هنا أيضا لم تُدقَّق الألوان إلاّ عندما كانت تشير إلى عنصر رامز للسّلطة(الكنيسة الرئيسيّة الخضراء و الصّلبان الفضّيّة).
          كما ينبغي العناية بالأفعال المستعملة عناية خاصّة،فهي تعطي توضيحات تهمّ الشّكل  و الموضع(و مثال ذلك فعل ينحني). و عندما تصبح عناصر المشهد موضوع هذه الأفعال(أي فاعلا) فهي تبعث فيه الحياة . و هذا يحرّك الوصف و يقلّص السّكون الذي يوقظه بالمقارنة مع بقيّة الحكاية التي تضمن تتابع  المغامرات و ترابط الأحداث.
           و يمكن لقراءة القسم أن تُعمَّق فنلاحظ المراوحة بين الخطوط الأفقيّة و الخطوط العموديّة التي ينبني على أساسها المقطع(مثال أفقيّ:حزام حصين. عموديّ:تنتصب كاتدرائيّتان و ثلاثة قصور و مستودع أسلحة أفقي: ثلاث مدن)و هكذا نعطي لأنفسنا الوسائل التي توضّح لنا نظام الوصف الذي يبرز النّقاط الاستراتيجيّة للمشهد المرئيّ من طرف  الضّابط بصفة تجعل المشهد الموصوف يبدو و كأنّه خريطة عسكريّة.
        و أخيرا نتطرّق إلى الفقرة الثّالثة :و تتمثّل وظيفتها في تنمية التّشويق في القصّة ...فالغموض قد زال شأن اللاّعبين لعبة الأعمال. فالفقرتان الأولى و الثّانية تثران السّؤال من هو؟ و أين ؟ فإذا الهويّة مكشوفة القناع :أمّا انّهر فهو نهر موسكوفا...و أمّا الضّابط فهو القيصر. و في هذه المرّة اقترح علينا وصف جديد و لكنّه دقيق و تأليفيّ،إنّه وصف يتقابل مع الوصف التّحليليّ في الفقرة السّابقة، و يسمح بقراءة ارتداديّة،و تُقوّي هذه الاستراتيجيّة مكانة من يرى و [تؤكّد]هيمنته:
-- فهو مهيمن على المكان:إذ المشهد تحت قدميه.
-- و هو مهيمن سياسيّا و عسكريّا:إذ هو القيصر.
-- و هو مهيمن علاميّا(على مستوى النظام المولّد للمعنى)لأنّه يعلم منذ البداية أنّ النّهر الصّغير يسمّى: موسكوفا.
2- بعض تمارين الكتابة:
          بعد إتمام هذا العمل الأوّليّ يمكن دعمه بسلسلة من التّمارين الكتابيّة القصيرة التي تيسّر امتلاك ناصية المفاهيم المشروحة:
1-بتغيير الواصف في النّصّ [...]فلا يعود القيصر هو الواصف بل سيّدة من سيّدات البلاط تطلب الهواء بعد الرّقص أو خادما ينشد الرّاحة أو رسّاما...الخ و يمكن  اقتراح تنويعة أخرى من هذا النوع من المعالجة :بحسب المبدإ الذي يرتبط بالتّمرّن على أسلوب ما أو وصف شيء واحد لا يتغيّر مع تنويع المنظور.
2-نأخذ نصّا ما و نطلب من التّلاميذ إدراج وصف في الموضع الأكثر مناسبة داخله، و يهمّ هذا التّمرين البحث عن الشّخصيّة التي يمكنها لعب دور الواصف و رصد العناصر الموجودة القابلة للاستعمال في مقدّمة النّصّ الوصفيّ. و هذا يعني ضمان العبور السّليم من السّرد  إلى الوصف و كل ذلك اعتمادا على قراءة دقيقة متأنّية كما يجب ضبط منظور الشّخصيّة التي ترى  و تحديد ما تراه. و هاكم على سبيل التّمرين بداية الفصل الثّاني من" السّادسة"لسوزي مورقنشترن .
[4]

        و أخيرا خرجت(مارقو) صحبة أمّها حزينة لمظهرها العاديّ جدّا ،مرعوبة من هاجس أن يكون أساتذتها قساة،مهمومة خوفا من أن تُخدع أو لا يكون لها مكان بين تلاميذ السّادسة.
         كان الأطفال و آباؤهم واقفين في ساحة المدرسة الإعداديّة .و كانت (مارقو) تبحث بعينيها عن وجوه مألوفة،فرأت صديقين من مدرستها القديمة فسعت للقائهما. و فجأة حدثت حركة باتّجاه سقيفة المدرسة و طلب صوت آمر من الأولياء البقاء خارج السّقيفة و من التّلاميذ التّجمّع داخله في صمت . و لكنّ الأولياء تسمّروا في أماكنهم قرأ سيّد قميء ذو شارب كثّ أسماء تّلاميذ قسم السّادسة قال:"إذا لم تصمتوا فيجب عليكم العودة غدا  أو بعد غد ،أنا لا يهمّني الأمر ...السّادسة 2 إذا لم تسمعوا أسماءكم بسبب الضّجيج فستشطب أسماؤكم من القائمات."    
          أرهفت(مارقو) سمعها إذ خافت أن يفوتها سماع اسمها ،خافت أن تنسى اسمها و لذلك كرّرت ذكره ليبقى حاضرا في ذهنها.

         يبدأ الوصف بعد جملة "كانت (مارقو) تبحث بعينيها عن وجوه مألوفة"فـ(مارقو) هي التي ترى. و بحثها عن وجوه مألوفة يبرّر النّصَّ الوصفيَّ بإعطاء الواصف ذريعة  لرصد المكان. إنّها العودة المدرسيّة. و البنت تكتشف المدرسة الإعداديّة و خاصّة السّاحة . و سيكون نظرها نظرَ حديث عهدٍ، مبلبل الفكر ، يلج المكان لأوّل مرّة. و قول الكاتب "فرأت صديقين من مدرستها القديمة فسعت للقائهما"ينهي الوصف بما أنّ اللّقاء يبدّد باعث الرّصد ذاته.
III المقاربة الثّانية:تمحيص مفهوم المنظور و تعميقه من خلال النّصّ الوصفيّ :
          هذه التّأمّلات الأوّليّة لا تجيب عن كلّ المشاكل المثارة رغم أنّها تسمح بتحسين ما يكتبه التّلاميذ،و ستظهر لنا بعض الاختلالات في التّوظيف أنّ مفهوم المنظور غير مستوعب كما ينبغي . و يعطينا نصّ  (ناتالي : و هي تلميذة من تلاميذ القسم) مثالا على ذلك:   

           تأمّل كلّ من السيّد (لوكونت)و زوجته و بنتهما الأماكن بفضول و السّيّارة تجري بهم .
          و كنّا نشاهد من خلال بلّور النّافذة على يمينهم أربعة أبراج عظيمة،كانت تبدو لهم عملاقة عند رؤيتها من أسفل.إنّها تتشابه تشابها كبيرا .و كانت ذات شكل واحد إذ هي مستطيلة .الفارق الوحيد كان يتمثّل في أنّ أحدهما أبيض اللّون بينما الثّلاثة المتبقّية بنّيّة . و ترتسم حولها مساحات خضراء شاسعة تضيئها الشّمس ...بينما كنّا نبصر على يسارها، بوضوح،مجموعة من المنازل المصفوفة في انتظام.
       و بعيدا كانت  ترتفع  عمارات  ذات خمسة عشر طابقا  تحيط بـ(مانقات Les Minguettes) و في الأفق كنّا نبصر مداخن (فيزينFeyzin)التي كانت تلوّث الفضاء .
         لقد كان هذا الإطار شديد التّأثير  بالنّسبة للأشخاص الغرباء عن المدينة.

      إنّ استراتيجيّة الرؤية المختارة هي منظور الوافدين الجدد (عائلة لوكونت) و لكن سريعا ما وقع اللجوء إلى منظور غير محدّد مع ضمير نحن (Onفي  النّصّ الفرنسيّ)و معنى ذلك أنّ الرّاوي ( و في هذه الحالة المحدّدة لا يهمّ أنا السّيرة الذّاتيّة) هذا إلى جانب غموض الضمير(هم) في قول التّلميذة "و كنّا نشاهد من خلال بلّور النّافذة على يمينهم" ... و ضمير الجمع جدير بالوقوف عنده فهو يحيل  على عائلة (لوكونت) و لكن عند ربطه  بضمير الجمع  نحن فإنّه يصيّر عائلة ( لوكونت) موضوع الوصف لا الشخصيّات المضطلعة بالوصف. فالمنظور يجد نفسه في وجه من الوجوه محجوبا فلا نعرف من الذي  يصف كما أنّ عدم القدرة على السّيطرة الشّكليّة (عائلة لوكونت،هم نحن)تفرض أنّ كلّ العالم له نفس النظرة. و هذا ينجرّ عنه خاصّة إلغاء الخصوصيّة:"أي أن أصف العالم كماهو".
         إنّ الخلط بين بناء النّصّ غير المباشر  للواقع و التّصوير  الفوتوغرافي المباشر له  ينتج عنه أثر يتمثّل في تنميط النّصّ و تفقيره.
1- مفهوم المنظور:
         أصبح المنظور  إذن موضوع عمل جديد مع التّلاميذ ... و يصطي تصنيف جيرار جينيت(G.Genette)في كتابه(Figure III)للمنظور في نقاط ثلاث وسائل تفكير للمدرّس. فهو حين يستعمل مصطلح التبئير(Focalisation)و هو مفهوم أكثر تجريدا و أقلّ ارتباطا بالنّظر) يقترح هذه المفاهيم:
-
التبئير الصّفر:
(F.Zero)=الرّاوي يقول أكثر ممّا تعرف أيّة شخصيّة(إنّه الرّاوي العليم):(الرّاوي >  الشّخصيّة).
-
التبئير الدّاخليّ:(F.Interne)=الرّاوي لا يقول إلاّ ما تعرفه الشّخصيّة:(الرّاوي الشّخصيّة).
-
التبئير الخارجيّ:(F.Externe)=الرّاوي يقول أقلّ ممّا تعرفه الشّخصيّة:(الرّاوي <  الشّخصيّة).  
            و لكن عند  الاستعمال داخل القسم  يمكن الاكتفاء بمفهوم مبسّط للمنظور .و لذلك نعتمد ما اقترحهج.ب.قولدنشتاين(J.P.Goldenstein)في كتابه (لقراءة الرّواية Pour lire le Roman) حين
[5]  صنّفه في نقطتين  اثنتين هما: الرّؤية غير المحدودة (Vision Illimitée) و الرّؤية المحدودة (Vision Limitée).
 1.1الرؤية غير المحدودة:
        في حالة الرّؤية غير المحدودة ،فإنّ الواصف عليم ، يرى كلّ شيء و بإمكانه أن يصف أماكن مختلفة متباعدة في الزّمان و المكان .و يمكن أن يضطلع بالوصف واصف يستعمل ضمير المتكلّم"أنا" أو ضمير الغائب"هو" أو الغائبين"هم"...الخ .من غير تحديد للهويّة. و مثال ذلك مستهلّ رواية "أوجني قراندي Eugenie Grandet" فالوصف الطّويل في البداية يرتّب الأثاث : و فيه وقع تقديم سومير و الشخصيات و قراندي و منزله. فالواصف العليم المشار إليه بضمير الغائب دون تحديد لهويّته)يحيل مسبّقا على  بقيّة الرّواية لمزيد من الدّقّة في الوصف حين يقول""سيوجد وصف بقيّة أجزاء البيت مرتبطا بأحداث هذه الحكاية"[6]
2.1 الرّؤية المحدودة:
      يقدّم الواصف بواسطتها منظور إحدى الشّخصيّات مرتبطا بالحدث. فهذه الرّؤية توجد إذن مرتبطة بما تراه الشّخصيّة و تسمعه و تعرفه. و يمكن لهذا المقتطف من رواية لوسيان لوينLucien Lewen  لستندال أن يعرض على تلاميذ القسم لقراءته مع دعوتهم لتحديد العبارات التي تشير إلى الرؤية الذّاتيّة:

       رفع لوسيان عينيه فرأى منزلا كبيرا أقلّ حقارة من المنازل التي كان قد مرّ بها الفيلق العسكريّ إلى حدّ الآن. و قد توسّط حائطه الأبيض الكبير شبّاك مغلق مطليّ باللّون الأخضر الببّغائيّ."ما أقبح هذا الذّوق في اختيار ألوان صارخة لدى هؤلاء القرويّين الحقيرين!" كان لوسيان في ذلك الحين يريد أن يقنع نفسه  بهذه الفكرة غير المهذّبة ، عندما شاهد الشّبّاك المطليّ باللّون الأخضر الببّغائيّ  ينفتح قليلا :كانت امرأة شقراء شابّة  ذات شعر بديع  و مظهر مزر،جاءت لرؤية استعراض الفيلق . تلاشت كلّ أفكار لوسيان السّوداء عند رؤية هذا الوجه الحسن و بعثت الحياة في روحه و إذا بحيطان منازل نانسي المقشورة  المتّسخة ،و الوحل الأسود، وحسد رفاقه و غيرتهم و مشاحناتهم،و المبلّط الكريه  الذي ينزلق فوقه  الحصان الخائر القوى الذي ربّما تعمّدوا تسليمه إيّاه...تتلاشى كلّها.[7]

        يشير الفعلان رفع و رأى إلى لوسيان و كذلك إلى الواصف و تتحدّد جملة من النّعوت و الأسماء منظور الشّخصيّة(حقارة،أخضر ببّغائيّ،الحقيرين،الرّائع، مزر...الخ) كما يضع التّعجّب في الخطاب المباشر الحكم الفرديّ في الصّدارة.
         و بعد هذا التّوضيح  الذي قد يحسبه البعض شكليّا نوعا ما(un peu formelle)فإنّه ليبدو مثيرا للاهتمام أن نشتغل مع تلاميذ القسم على إمكانيات أنساق التّنظيم و الآثار النّاجمة عن المنظور داخل النّصّ الوصفيّ.
2-الأنساق و أثر المنظور داخل النّصّ الوصفيّ:
         
يمكن للمنظور أن يتغيّر داخل الأثر و داخل المقطع من نفس الجزء من القصّة و إنّ هذه الألعاب و هذه التّنويعات لتسمح بظهور آثار لها دور في توجيه القراءة. و لا يطوّر إبراز كيفيّة استعمال المنظور في بعض النّصوص الوصفيّة القدرات المرتبطة بالقراءة  فحسب بل يطوّر القدرات  المرتبطة بالكتابة أيضا إذ يفتح حقولا حديدة من الممكنات في الوصف .
1.2 :المنظور المتضادّ (P.D.V(Contradictoire
ّيبدو لنا المثال الذي ذكره أ.بتي جان A.Petitjean في مجلّة ( Pratiques d'écriture)عـ8ـدد موضّحا في هذا المجال بوجه خاصّ.ففي رواية جرمنال(Germinal)[لإميل زولاEmile Zola]تتناقض كلّ من صورة الشّعب في نظر البورجوازيين و صورة البورجوازيين  في نظر الشّعب.و هذان الوصفان يتقابلان و يضعان على المحكّ تصوّر كلّ واحد للآخرعلى أرضيّة من الخوف أو الميل.و يمكن أن يكون إقراء الأستاذ التّلاميذ النّصّين و طلبه منهم وضع علامة بواسطة قلم الرّصاص  تحت كلّ قرينة تساهم في توضيح المنظور،عملا مفيدا.
2.2 :المنظور الشّكليّ (P.D.V(Formel

      يمكن أن يحدث أنّ الرّاوي يختفي خلف شخصيّة واصفة .و هي ذريعة يمكن أن تتقدّم بوضوح كلّ الاعتبارات الأخرى. و يمكن أن نتساءل في القسم عن فائدة مثل هذه الاستراتيجيّة و أثر ذلك في مسار النّصّ. لقد اخترنا مفتتح رواية الأرض(La terre)لزولا التي تشير مشاغل مهمّة لقيامها بدور[عرض المشهد] و هذا نصّه:

       في ذلك الصّباح،كان جون الحامل مِبْذَرًا من قماش أزرق معقود فوق بطنه،يمسك الجيب المفتوح بيده اليسرى. و كان يأخذ منه كلّ ثلاث خطوات حفنة من القمح ثمّ يقذف بها في حركة سريعة على الطّائر.و كان حذاءه الكبير يحفر الأرض حاملا التّربة الخصبة. أمّا جسمه فكان يتمايل تمايلا موقّعا.بينما كنّا نرى مع كلّ رمية وسط البذار الأشقر المتناثر باستمرار شريطين أحمرين يلمعان في بزّة نظاميّة مضى  عهد استعمالها .كان يمضي إلى الأمام وحيدا في فخر ،و خلفه مشط لطمر الحبوب  يسير ببطء و قد شدّ إلى حصانين  يسوقهما سائس بضربات سوطه الطّويلة الرّتيبة  المفرقعة فوق أذنيهما.
       كانت قطعة الأرض التي تكاد تمسح خمسين آرا في منطقة ضئيلة الشّأن تسمّى  دي كورناي(Des Cornailles)حتّى أنّ السّيّد هورديكان(M.Hordequin)مالك لابورديري(La Borderie) لم يرغب في إرسال المِبذر الميكانيكيّ. زد على ذلك أنّه مشغول. و تواجه،جان الذي كان  يصعد الحقل من الميدي إلى الشّمال،،مباشرة،على بعد كيلومترين ، بنايات الضّيعة.و عندما وصل إلى طرف التّلم(=خطّ المحراث)رفع عينيه.و نظر دون أن يرى شيئا طالبا الرّاحة لمدّة دقيقة.
          كانت هناك حيطان واطئة. و كانت بقعة داكنة من  أردواز قديم ضائعة على عتبة بوس حيث يمتدّ السّهل باتّجاه شارتر .و تحت السّماء الواسعة،سماء آخر أكتوبر الغائمة. ..مساحات عديدة مزروعة.كانت تفرش الأراضي الجرداء الصّفراء القويّة في ذلك  الفصل.و كانت مربّعات كبيرة محروثة تتعاقب مع مساحات البرسيمو النقل الخضراء من دون أن تعترضك أيّة تُليْلة أو شجرة على امتداد البصر. و تختلط.و تهبط خلف خطّ الأفق الجليّ المدوّر كما يكون على سطح البحر.و تكوِّن قرى مبثوثة جزرا صخريّة .و كان يظهر ناقوس بعيد من ممرّ قطعة أرض من دون أن نرى الكنيسة في هذه التّجمّعات اللّيّنة لهذه القطعة من القمح.

             في الفقرتين الأوليين اضطلع السّارد بالوصف عارضا جان و هو يعمل. و من آخر الفقرة الثّانية يسهل علينا رصد العنصر الذي سيضع جان في موقع الواصف.و اعتمادا على المعايير المحدّدة مع التّلاميذ عند دراسة النّصّ الأوّل المقتطف من رواية ميشال ستروقوف،فإنّنا نجد هنا:
-- مكانا للمشاهدة(هو المنظر الطّبيعيّ المفتوح).
-- ذريعة للتّوقّف و تبرير المشاهدة(
ينشد الرّاحة لمدّة دقيقة).
-- أفعال إدراك تعيّن من ينظر(
رفع عينيه . و نظر دون أن يرى شيئا).
       و مع ذلك فهل اضطلع جان فعلا بالوصف في الفقرة الثّالثة ؟ إنّ السّؤال ليُطرح لأنّه لا توجد أفعال إدراك (مثل:تفحّص، شاهد...الخ)تسمح بتثبيت المنظور .كما لا توجد قرائن تكشف ذاتيّة النّظر(مثل: يبدو... )غير أنّه يظهر في آخر الفقرة ضمير المتكلّمين:نحن)في  قوله(
من دون أن نرى الكنيسة) و هو مختلف عن ضمير نحن الموجود في الفقرتين الأوليين في قوله(كنّا نرى...)و عندما نواصل  القراءة ([و الحال أنّنا]لم ننقل هنا بقيّة النّص، و يكفي العودة إلى الصّفحات الثّلاث الأولى من الرّواية)نتأكّد من تغيّرات الواصف . فقد كان جان هو الواصف أوّلا (كان أمامه...) ثمّظهر ضمير نحن(لا نحزر المروج نحن موجودون هنا في مروج ديموا القديمة) و أخيرا عاد منظور جان(نظر إلى أسفل) و يمكن قول  ذلك بالنّسبة للفقرة السّادسة فإنّها تضع جان من جديد في موقع من يشاهد (لمحه، فرفع رأسه من جديد...) و انتهى الوصف في مستوى الخطاب  بظهور الحوار في مستوى الحكاية بظهور فرنسواز تقودها  كوليس ،و هو اضطراب يسمح ببداية الحكي. إنّ الشّخصيّة المتذرّع بها (جان) وضعت في الواجهة لأنّها ستصبح  البطل في القصّة. و حضورها في أوّل الرّواية يساعد على جعل النّصّ الوصفيّ قريبا من الحقيقة و على إيهامنا بها ...و فعلا فالسّارد يستثمر الوصف إذ ينبغي رسم مشهد كامل دقيق،للأثاث (و تلك هي وظيفة  مشهد العرض)أو إعطاء القارئ جملة من المعارف الإداريّة(دينوى القديمة أصبحت اليوم دائرة شاتودان) و الفلاحيّة(المناوبة الزّراعيّة الثّلاثيّة)و الجغرافيّة خصوصا(لابارس المقابلة للبوس) الوديان الصّغيرة المقابلة للرّبى، و ثروات لابوس الخصبة المقابلة لقساوة لابوس البائسة)و و ليس غريبا أن  يبرهنتأثير المحيط في الإنسان عند زولا عن هذه الاستراتيجيّة.
3.2 :المنظور الذّاتيّ (P.D.V(Individuel

       لئن توارت الشّخصيّة الواصفة في بداية رواية الأرض لزولا لتترك المكان للرّاوي و المشهد الموصوف  فإنّ الوصف في (La Curée)يأتي كمتّكإ و /أو ذريعة للتّعريف بالشّخصيّة :

          عندما خرج الطّفل أخذت (رينيه) نظّارتها و طافت داخل قاعة الانتظار الصّغيرة بفضول:كانت قاعة مربّعة  الشّكل ،بيضاء ، ذهبيّة اللّون مؤثّثة بصالون صغير فتّان.و بالإضافة إلى الطّاولة و الكراسي كان يوجد أثاث واطئ هو عبارة عن منضدة مزخرفة للأطباق  ،و ديوان عريض، و سرير حقيقيّ كان موضوعا بين المدفأة و النّافذة.و كانت ساعة دقّقة و مصباحان من طراز لويس الرّابع عشرXVI تزيّن هذه المدفأة ذات الرّخام الأبيض. لكنّ حبّ الاطّلاع على الغرفة كان مرآة ،مرآة جميلة قميئة،كانت قد أغرقتها  ماسات السّيّدات بالأسماء و التّواريخ و الأشعار المحرّفةو الأفكار العجيبة و الاعترافات المذهلة. ظنّت رينيه )أنّها تشاهد قذارة و لمتكن لها الجرأة على إشباع فضولها. نظرت إلى الدّيوان و عبّرت عن ارتباكها من جديد ثمّ شرعت تنظر إلى السّقف و الثّريّا النّحاسيّةالذّهبيّة  اللّون ذات الخمسة عشر منقارا لتظهر رباطة  جأشها غير أنّ الاضطراب الذي كانت تحسّ به كان لذيذا.و عندما كانت ترفع رأسها كما لو أنّها تتفحّص الافريز في وقار،و النظّرة في يدها،كانت تشعر في أعماقها بمتعة هذا الأثاث الغامض الذي كانت تحسّ به من حولها، و هذه المرآة الصّافية الوقحة التي تبدو نقاوتها ملوّثة قليلا بأرجل الذّباب القذر و التي طالما ساعدت النّساء في تسوية تسريحاتهنّ غير المنظّمة، و هذا الدّيوان الذي صدمها بعرضه ، و الطّاولة، و الزّربيّة نفسها حيث تلقى من جديد رائحة الدّرج،رائحة غامضة لغبار،رائحة نافذة،كأنّها رائحة مقدّسة

          تكتشف رينيه مكانا ممنوعا [إلى جانب اكتشافها ] لذّة انتهاكه. و في غضون النّصّ نجد أكثر من مرّة أفعالا تشير إلى المنظور مذكّرة أنّ الغرفة مشاهَدة من قبل رينيه:(أخذت رينيه نظّارتها.و طافت داخل قاعة الانتظار الصّغيرة بفضول)،(ظنّت أنّها تشاهد قذارة)،(لم تكن لها الجرأة)،(عبّرت عن ارتباكها من جديد).(الارتباك الذي كانت تحسّ به كان لذيذا)/(كانت تشعر في أعماقها يمتعة هذا الأثاث الغامض). كلّ العناصر المشاهدة كانت مشبعة بالذّاتيّة: فالأثاث غامض،و المرآة صافية وقحة،و الدّيوان يصدم بعرضه، و الطّاولة و الزّربيّة تتصاعد منهما رائحة نافذة. فالوصف يعبّر عن حالة الشّخصيّة و ما تشعر به.
       و يمكن أن يفضي المنظور إلى لعبة تعدّده(Jeu de multiplication).و إذا ما واصل التّلاميذ قراءتهم في الصّفحات الموالية من رواية(La Curée)ظهرت لهم نفس الشّخصيّة(رينيه)ناظرة في ثلاث فترات مختلفة لنفس المشهد من النّافذة. و قد كان الوصفان الأوّلان قبل النّضج،أمّا الأخير فبُعيْده.و إنّ استبدال نمط الخطاب بآخر، و إنّ حلول نمط الوصف محلّ نمط السّرد يسمح بأن يسرد النّضج دون الإشارة إلى ذلك مباشرة.و سيبيّن لنا التّحليلالذي سنقوم به داخل القسم كيف أنّ الوصف و المنظور يترجمان في نوع من اللّعب الكنائيّ:
-- ولادة الرّغبة،فمعجم النّار و الحريق يهيمن على النّصّ الأوّل حيث سيستسلم كلّ من مكسيم و رينيه إلى نشوة الأصوات و الحسن و هما يشاهدان البنات[: بنات الهوى].
-- الشّهوة في النّصّ الثّاني ؛ إذ تحوّل نظر رينيه الخارجيّ إلى داخليّ:(أطفئت الأنوار، و عانقت بنات الهوى آخر الزّبائن و خفتت الأصوات) ترى رينيه الطّريق على أساس أنّه دعوة للهوى.
-- الحياء: في النّصّ الثّالث جعلت رينيه من الطّريق و هي غارقة في الظّلّ مخدعا انفراديّا و توجّه نحو المدينة الخجل الذي تحسّ به لتتقاسمه معها.
        و في كلّ وصف من هذه الأوصاف تلحظ رينيه إحدى بنات الهوى لابسة لباسا أزرق منتظرة ،مستسلمة،إنّا صنو للشّخصيّة التي تنظر(فرينيه تضع شريطا أزرق) كأنّما هو تجسيد مسبق للمستقبل  حيث سيصدّها مكسيم.
        لقد سمح عمل القراءة و التّحليل المنجز في مختلف المختارات التي سبق  عرضها على التّلاميذ بتكوين ملفّمن النّصوص(بإمكانهم إغناءه بأبحاثهم الفرديّة) هو وسيلة هامّة في أعمال الكتابة و إعادة الكتابة الموازية.
IV. تحليل أعمال التّلاميذ :
  لقد تقدّمت كتابة النّصوص و قراءتها. و أغرت الصّعوبات المعترضة أثناء الكتابة التّلاميذ بمزيد القراءات و التّحاليل. و هذه النّصوص الثلاثة اللاّحقة كتبتها مجموعة [من التّلاميذ] تتألّف من ماقالي(Magalie)و سيلفي(Sylvie) و هي تمثّل ثلاثة مراحل مختلفة من امتلاك ناصية النّصّ الوصفيّ من خلال عمل يهمّ تجويده.
الوضع الأوّل:

        كنت أنظر إلى الشّمس و هي تغرب في منقات(Les Minguettes)مدينة مولدي. و كنت أفكّر في اليوم الذي ينتظرني غدا.

        إنّ الوصف جنينيّ بل يمكننا القول إنّه غير موجود،إذ لا توجد مقدّمة تبرّره:فأنا" تنتظر و لكنّنا لا نعرف لماذا. و في الواقع يتقلّص موضوع  الوصف في عبارة منقات(Les Minguettes)و انطلاقا من هذه المعاينة و من المشاكل التي تطرحها كتابة مثل هذا النّوع من النّصوص بدأت دراسة الوصف.
الوضع الثّاني:

         كنت أنظر إلى الشّمس و هي تغرب خلف هذه القوالب الخرسانيّة المألوفة عندي. و كانت البناية المواجهة لبيتنا خضراء و بيضاء.و كان بياضها يميل إلى [اللّون[ الرّماديّ. و كان صفّ من شجيرات الحوْر الفتيّة يفصل موقف السّيّارات الذي بدأ يمتلئ بالسّيّارات من كلّ الألوان عن المرجة  المخضوضرة حيث أستطيع أن أرى كلابا تراقبها عين صاحبها اليقظة.و كانت بعض الممرّات مضاءة. و كانت مصاريع النّوافذ تغلق. و كنت أسمع  بكاء أطفال،و ضحكات،و همسات،و دحرجة كُجّات على الأرض ... ألقيت نظرة أخيرة قبل أن أغلق نافذتي مفكّرة في اليوم الذي ينتظرني غدا.

      يمكننا أن نلاحظ فورا تحسّنا كمّيّا و كذلك تحسّنا كيفيّا. و لكن تبقى المقدّمة دائما في حاجة إلى إعادة صياغة إذ لا يوجد سبب أو ذريعة تبرّر إيقاف السّرد و تأمّل الواصف:في حين تشكّلت  صورة الموصوف.فوقع اختيار عناصر عديدة لوصف المشهد:(البناية ،شجيرات الحور،الموقف،السّيّارات، المرجة) و أفعال إدراك تنتصب كمعالم داخل النّصّ (أنظر، أسمع،ألقيت نظرة...)و علامات تهمّ اللّون:(مخضوضرة،أبيض،رماديّ) و كذلك الصّوت:(مصاريع النّوافذ تغلق،صياح...)تبرز امتلاك الفريق الواصف لبعض الأساليب. و لئن كان إيقاف الوصف معلنا(غلق النّوافذ) فإنّه غير مبرّر كما يجب.
         و لنلاحظ أيضا أنّ"الأنا" النّظر بدأ يوضّح منظوره. و أنّ الانطباع بأنّ هذا الحيّ الهادئ حيث تغلب أنشطة الحياة اليوميّة توجد مجموعة مّطَمْئِنَةٌ(مألوف،كلاب مراقبة،ضحكات،همسات،دحرجة كجّات).لكن يجب التّأكيد على أثر الغبطة الهادئة التي يريد التّلاميذ إبرازها. و زيادة على هذا فلا يوجد أيّ عمل يهمّ التّفضية(Mise en espace).فلا نستخرج ظروفا و لا عبارات ترتبط بالمكان.
الوضع الثّالث:

         كنت أنظر من خلال بلّور غرفتي الشّمس و هي تغرب خلف هذه القوالب الخرسانيّة المألوفة عندي، و أنا أنتظر عودة أمّي  فأنا كنت قد ولدت في منقات(Les Minguettes).كانت البناية المواجهة لبيتنا خضراء و بيضاء بياضا يميل إلى [اللّون[ الرّماديّ. و كان صفّ من شُجيْرات الحوْر الفتيّة يفصل  المرجة  المخضوضرة عن موقف السّيّارات الذي كان في تلك السّاعة المتأخّرة مزدحما . و كان كلب الجار الٍفليّ يتنزّه  تحرسه عين مالكه المتيقّضة.و بعيدا كانت بعض الممرّات قد أضيئت. و أسفل كانت مغالق  النّوافذ توصد ، لعلّها نوافذ السّيّدة بوناكوي(Mme.Bonnacceuil)كما سمعت تصاعد بكاء أطفال ،و ضحكات،و همسات،و دحرجة كُجّات على الأرض ...
        ألقيت نظرة أخيرة على شارع كلود دي بوسي(Claude  Debussy)لمعرفة هل وصلت أمّي.ثمّ قرّرت غلق النّوافذ وأنا أفكّر في اليوم الذي ينتظرني غدا.

       في هذه المرّة تكاد تكون كلّ العناصر المقدّمة مستوعبة بفضل التّوضيحات النّظريّة. فالوصف مبرّر بدقّة:انتظار الأمّ و التّعطّل عن الشّغل،قد قادا الواصف نحو النّافذة. و كذلك فإنّ تفضي(Mise en espace) الشّيء الموصوف فعّالة:(أمام،بعيدا،أسفل..)و خصوصا المنظور فقد غدا دقيقا. و مكّن التّفكير في الصّلة بين  المشهد المطمئن و المشهد المألوف التّلاميذ من العمل انطلاقا من كلمة"مألوفة".كما وقع تناول عبارة"مدينة مولدي" الموجودة في الوضع الأوّل من جديد بعد تغييرها إلى عبارة" كنت قد ولدت في منقات" التي وجدها التّلاميذ أوضح . و قد وقع تغيير بعض العناصر لإعطاء انطباع بأنّها دوما ألأليفة؛ فالكلاب أصبحت كلب الجار السّفليّ؛و السّيّدة بوناكوي" أغلقت مغالق نوافذها. و اعتُنِيَ بدراسة أسماء الأعلام لتعبّر عن هدوء المكان ؛ زد على ذلك أنّ دراستها تجاوزت حدود الوصف و امتدّت إلى باقي النّصّ.فعدّل  الفريق أسماء الشّخصيّات.فأصبح اسم الأنا" السّرد [يدلّ على السّعادة و الهناء](Félicité Bonheur)[كما أسندت] أسماء فرحة و محبوبة و بركة للشّخصيّات الأساسيّة. و عند فحص الوضع الثّالث للنّصّ يمكن أن نلاحظ أنّ إنهاء الوصف قد تحسّن ،فأخذت عناصر من المقدّمة(ألقيت نظرة أخيرة لمعرفة هل وصلت أمّي؟)كما وقع تبرير الوقف( قرّرت غلق النّوافذ و أنا أفكّر في اليوم الذي ينتظرني غدا)و هو الأمر الذي سيمكّن من عودة السّرد و مواصلة القصّ.

        يبيّن هذا العمل المقدّم كيف يتظافر كلّ من القراءة و الكتابة لتكوين تمشّ للتّعلّم. و سمح التّنقّل من [قراءة] النّصوص إلى الإنتاج بالبحث في الكتب عن أجوبة للمشاكل التي تطرحها [عمليّة] الكتابة.
          و بذلك غدَا الاشتغال في نقطة محدّدة(الوصف و المنظور)  تندرج ضمن مشروع أكبر(إنشاء سيرة ذاتيّة)مبرّرا. فلم يعد الأمر يتمثّل في تكريس الوصف في واجبات مدرسيّة.و لكن لتعلّم الكتابة لأنّها ضرورة تتقدّم بالمشروع. و لم يعد الأمر يتمثّل في الوصف لمجرّد الوصف .و لكن في اختيار نوع الوصف الأكثر ملاءمة و الاهتمام بتنظيمه و ربطه بالمنظور.
       يسهّل التّوضيح الدّقيق لمرتكزات التّحليل تحديد الاختلالات الوظيفيّة . و هكذا فإنّ تقييم ما يكتب و الملاحظات التي تنجم عنها قد وقعت محاصرتها و غدت إعادة الكتابة المتدرّجة ممكنة.

إشارات بيبليوغرافيّة:
[1]
انظر Pratiques No 52,Pratiques de lecture
[2]
J.Ricardou,Le texte en conflit . in Nouveau problèmes du roman,ed Seuil 1978 p 24 et suivantes.
[3] Jules Verne, Michel Strogoff Livre de poche 1978 p15et 16
[4] Susie Morguenstern,La Sixième,Ecole des loisirs. 1984P20et21
[5],Pour lire le Roman ,Deboek Duculot1986P33 et Suivantes.
[6]H.De Balzac,Eugénie Grandet,Garnier Flammarion1964P43
.
[7]
Stendhal,Lucien Lewen,Folio1973,P97

من أنا؟
تعريف
قصصي
أشعاري
مسرحياتي
تحقيق
ترجمة
دراسات
مواقع

 

الصفحة السابقة

طبع الصفحة

الصفحة الرئيسية | صور | غابة الرمال | الفضاء | التاريخ | من أنا؟ | عائلتي | عائلات منزل جميل | المعالم الدينية | أمثال و أقوال | المنظمات و الجمعيات | المؤسسات | الثقافة و الفنون | ناس مروا | المتحف | راسلونا

Copyright 2012©2015 leplacartuel.com