عندما يُذكر حديث ((النساء ناقصات عقل ودين))،[1]
ينكره البعض.و من هؤلاء
القرآني اللّواء المهندس الاستشاريّ عليّ عبد الجواد،[2]
الذي يُظهِر تناقض هذا الحديث مع ما جاء في القرآن الكريم .و
له على رواية البخاري مآخذ لعلّ أهمّها حسب رأيي عدم تدقيق
الرّاوي زمان وقوع الحادثة،فأبو سعيد الخدريّ لا يتذكّر أ في
عيد الأضحى وقعت أم في عيد الفطر ؟ و بما أنّه لا يتذكّر
الإطار العامّ للواقعة،فكيف سيحفظ تّفاصيلها و يدقّقها ؟ و
أمّا حسنو الطّوية في أفضل الحالات فينزعجون،باحثين عن مبرّرات
لذلك النّقص،غافلين عن تغيّر الحياة و تقدّم الزّمن.في حين
يردّد المسيؤون للمرأة، المستنقصون
قيمتها
،القولَ، مُتباهين بذكورتهم الّتي هي عندهم صنو الكمال،غافلين
عن أنّ غاية الوجود هي الارتقاء بالإنسان من ذكر و أنثى .و
كلامي هذا موجّه للفئة الأخيرة تحديدا لمناقشة مدى تماسك رأيهم
الذي رأوه في شأنها بخصّهم المرأة بالنّقصان دون الرّجل.
:ـ1ـ في مشكلة
شهادة المرأة
سأبدأ بهذه المعضلة التي ترتبط بالشقّ الأوّل من القول
السّابق المتّصل بنقصان العقل . و هنا، لا أريد الخوض في مسألة
أنّ المرأة ناقصة عقل، لأنّها توارثت ذلك و اكتسبته من المجتمع
الذّكوري الذي أبعدها و أقصاها عن الاضطلاع بالأمور السّياسيّة
و المدنيّة و غيرها من الميادين .فالمشكلة ،أعمق من ذلك و أبعد
، فبالرّغم ممّا ذهب إليه الباحث الإسلامي عزيز محمد ابو خلف
في مقالته "وجوه الإعجاز في حديث ناقصات عقل"
[3]
من تفريق بين العقل و التّفكير ،حين قال :"فهو
عبّر بناقصات عقل،ممّا يعني أنّ النقص هو في عوامل أخرى تؤثر
في التفكير وليس في نفس القدرات الفطريّة أيْ ليس في قدرات
الدّماغ ، كما يتوهّم كثيرون".فإنّني أعتبر هذا التّبرير واهيا
لأنّه يقرّ بالمساواة ثمّ ينكص عن ذلك حين يسلّم بأنّ الذّكر و
الأنثى يستويان في التّفكير الموزّع بين النّاس بالعدل و
يختلفان في امتلاك آلته الّتي هي العقل لاعتبارات اجتماعيّة
أساسا .و عندما
نسحب هذا المنطق على كلّ من الذّكر و الأنثى يظهر تهافت هذا
الكلام و ما ينطوي عليه من تناقض،لأنّنا نصل إلى نتيجة مفادها
تقسيم المجتمع إلى من يملكون عقولا من جهة و من لا يملكون
عقولا من جهة أخرى.بيد أنّه من المعلوم أنّ كمال العقول محال
أمّا نقصانها فمتعلّق بالجميع إلاّ أن يكون المراد هو إقصاء
المرأة عن الحياة وخصّها بالنقصان دون الرجل ظلما و بهتانا و
تأبيد ذلك إلى ما لا نهاية
لأنّ الاعتبار بالممارسة لا تمام الاستعداد و حسن الطّويّة
فالتّذكّر و النّسيان لائط بالقلوب طارئ على الجميع سواء في
ذلك الرّجل و المرأة دون أدنى فرق.
و أنا أعتقد أنّ الرّسول صلى الله عليه و سلّم بعث لكلّ من
الرجل و المرأة على حد السّواء لتحقيق العدالة و الرّقيّ....و
لمزيد البيان أقول
إنّ نقصان المرأة يفترض كمال الرّجل. و نسيان المرأة يفترض
تذكّره و عدم نسيانه و لذلك تذكّر إحداهما الأخرى في الشّهادة
على المكاتبات لبلوغ مرتبة الكمال.و في هذا مغالطة باعتبار أنّ
المسألة ذات أربع إمكانيات فإمّا أن تكون المرأة الأولى ناقصة
و الثانية كاملة .و إمّا العكس لتذكّر إحداهما الأخرى فتقبل
الشّهادة .و إمّا أن تكون كلتاهما ناقصتين فلا تقبل شهادتهما.و
إمّا أن تكونا كاملتين فتقبل شهادتهما.و ينجرّ عن المعادلتين
الأوليين أنّنا لا نحتاج لشهادة إحديهما فنكون قد أهدرنا الوقت
و الجهد أو قبلنا شهادة ناقصة .كما ينجرّ عن المعادلة الثّالثة
أنّ شهادتهما باطلة لطبيعة النقص في كلتيهما .و أمّا المعادلة
الأخيرة فإنّها تنسف النّقصان نسفا و تلغيه إلغاء و توقعنا في
التّناقض مع ما وقع التّصريح به.
سأنظر إلى الأمر من زاوية أخرى معتمدا مقولات علم
الوراثة التي تقول إنّ الأنثى ترث من الذّكر نصف التّراث
الجيني مثلما يرث منها نصف التّراث الذي يخصّه و هذا التّراث
متغيّر و مكتسب، يزيد و ينقص بحسب الظّروف.و يترتّب عن ذلك إذا
عدنا إلى فرضيّة نقص المرأة و ضعفها أن يرث الرّجل نقصها و
ضعفها و هما في ذلك سيّان لو علم شيوخنا الكرام و الغافلون عن
ذلك من المسيئين لأنفسهم باعتبارنا أبناءها.اللّهمّ أن ننتقل
إلى ما يطمح إليه علم الوراثة من جعل الرّجل أو المرأة على
صفات محددة من الكمال و النّقص تصنّع في المخابر تصنيعا
اعتمادا على تحسين الجينوم البشريّ في معامل الاختبار و صناعة
الكائنات.
و من حيث أدرت المسألة وجدتها تصل بي إلى طريق مسدود
لا يمكن تجاوزه إلى غيره.و للخروج من هذه المتاهة أقول إنّ ما
جاء به الرسول محمد صلى الله عليه و سلّم يعالج مشكلة كانت
تعترض المجتمع العربيّ الذي تعاني فيه المرأة من وضع متدنّ في
الجملة بيعا و شراء و سبيا و وراثة بحسب وضعها الاجتماعي و
الاقتصادي آنذاك.
و باعتباري مسلما أقول إنّ ما عالج به الرّسول
المسألة إنّما هو حلّ للوضع المتردّي السّائد آنذاك،فيه تعزيز
لحضور المرأة في الأماكن العامّة في موضوع الشّهادة و إخراج
لها من عزلتها المفروضة عليها بتشريكها فيه بنسبة
الضّعف.فشهادة المرأتين مرتبطة بآية التّداين[4]
أي بالتّجارة و بالتّعامل الماليّ تحديدا ذلك الميدان الذي
خبره الرّسول صلّى الله عليه و سلّم و كان فيه صادقا أمينا حين
اشتغل في مال امرأة صارت زوجته و كان لها فضل عليه كما كان له
فضل عليها في حفظ مالها و تنميته هي خديجة تلك المرأة التي
أحبّته و طلبته زوجا و شغّلته و آمنت به و آزرته.و هو الميدان
الرئيسيّ الذي به تدخل المرأة معترك الحياة.و به يصبح حضورها
فاعلا،مؤكّدا.و لكنّنا نستمرّ للأسف بعد أربعة عشر قرنا في نفس
الطّريق دون فهم الإشارة مكتفين بظاهر العبارة التي تتردّى بنا
و تسيء إلى كلينا من ذكر و أنثى. خاصّة و أنّ هذا الحديث في
رواية أخرى تبدأه امرأة جزلة جريئة راغبة في معرفة سرّ
النّقصان معترضة على حشر أغلب النّساء في نار جهنّم.فإن كنّا
نجد في أنفسنا أنّه تقدّم بوضع المرأة فلنواصل الطّريق الذي
بدأه و دعا إليه بتشريكها فيه إلى جانب صنوها الرجل و إلاّ
فلنبق الوضع على ما هو عليه منذ عشرات القرون غير عابئين
بتغيّر وضع الإنسانيّة و تقدّم المرأة نحو مزيد من الحرية و
الإرادة و الاستقلال ليكون مصيرنا التّخلّف و الخسران.و لنكفّ
عن التّفرقة بين المرأة و الرّجل لأنّ النقص و الكمال يعتري
كليهما فلا هو كامل و لا هي كاملة و لا هو ناقص و لا هي ناقصة
بالجملة .و تحديد ذلك لعمري صعب أو هو في أحسن الأحوال يقتضي
اختبارا علميّا دقيقا لكلّ فرد من الأفراد المعنيّين لا يخالطه
أيّ مؤثر أو غاية مسبقة.ليتحقّق العدل إذ النّقص يعتري الإنسان
مهما كان سواء في ذلك جنس الذّكور و الإناث،الرّجال و
النّساء.فلماذا نربط النّقصان بالنّساء و نستثني الرّجال في
خصوص هذه المسألة محقّرين من شأنها و الحال أنّنا نعرف و نسلّم
بأنّ المرأة لا تستحقّ هذه المعاملة الدّونيّة في يومنا هذا في
المطلق باعتبارها ليست سيّئة جملة و تفصيلا كما يذهب إلى ذلك
محقّروها و مُقصوها ممّن لم يدركوا الإشارة و اكتفوا بظاهر
العبارة ليؤبّدوا وضعا فيه إساءة لمن يعتبرونها ركيزة الحياة و
مربّية الأجيال.
ـ2 ـ في مسألة قضاء الفروض:
وأما نقصان دينها؛ فيربطه الفقهاء بحال الحيض والنّفاس
فهي تدع الصلاة وتدع الصّوم ولا تقضي الصّلاة، فهذا من نقصان
الدّين.
و تفسيري لمسألة إعفاء المرأة من الصّلاة أنّ الرّسول
صلى الله عليه و سلّم يخفّف عنها التّكاليف الشّرعيّة و يقول
لنا إنّ ما تقوم به المرأة من أعباء أسريّة و أعمال يوميّة
تعادل الصّلاة فهي في صلاة ما دامت تنتج الحياة و تعتني بالجيل
الجديد .ثمّ هو بها رحيم ما دام المجتمع لم يرحمها في
استعدادها لأداء هذا الدّور .و من ناحية أخرى فهي لا تختلف عن
الرّجل في شأن الصّيام لأنّها تقضي مثلما يقضي المريض تماما و
إن زادت عليه بهذه الخاصيّة المتمثلة في سيلان دم الحيض و
النّفاس و هو بذلك يوفّر لها مساحة من الزّمن تخوّل لها
العناية بالشّؤون الاقتصاديّة و السّياسية و الاجتماعيّة و
الثّقافيّة و سائر المجالات الأخرى.
:ـ3ـ في مسألة
القوامة
يربط البعض من المفسّرين ما سبق بمسألة تتجاوز ما وقع
الخوض فيه إلى حدّ الآن هي مسألة قوامة الرّجل على المرأة حتّى
ليصل الأمر ببعضهم إلى أن يقول "نعم
جنس الرّجال أفضل من جنس النّساء في الجملة لأسباب كثيرة، كما
قال الله سبحانه وتعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى
النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ
وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ[5] [6]
و قد فسّرت ذلك في
مقالي المعنون ضرب النّساء و أوجز هنا
فأقول الرّجال قوّامون على النّساء بأمور إذا تغيّرت انتقلت
القوامة إلى الطرف الآخر أو كانت أمرا مشتركا بينهما على أقلّ
تقدير و هذه الأمور المتغيّرة هي أساسا ما فضل الله به بعضهم
على بعض من قبيل العلم و القدرة على التّحمّل و سلامة الأعضاء
و العقل و غير ذلك من جهة و من جهة ثانية ترتبط القوامة بما
يعادل كلّ ما سبق ذكره و يتمثّل في الكسب و الإنفاق من
الأموال. و هذه النّقطة الأخيرة ترتبط بالحديث الذي نخوض فيه
ارتباطا متينا فداعي الكلام مع النّساء هو حثّهنّ على التّصدّق
و إنفاق المال و تغيير وضعهنّ الاقتصاديّ في المجتمع .فمصيرهنّ
الاحتراق و الخسارة و الفناء ما دمن لا ينتجن و لا يمثّلن قوّة
اقتصادية تساهم في بناء المجتمع و تنميته و الرّقيّ به و الحرص
على تطويره إذ لا تكفي الجزالة و فصاحة اللّسان
و القدرة على الإقناع و إذهاب ألباب الرّجال الحازمين و
الإكثار من اللّعن و كفر العشير.فهذا دور سلبيّ تقوم به
النّساء في ذلك الزّمن لأنّهن لا يشاركن في المجال الاقتصاديّ
لملء وقت الفراغ بما يفيد المجتمع و لهذا رآهنّ يملأن جهنّم
ملءا رمزيّا بسبب ذلك.فإن بقين على هذه الشّاكلة فلن يتغيّر
وضعهنّ المزري و سيبقين على ما هنّ عليه دون تغيير يعشن في
ضلال فتحتاج الواحدة منهنّ أن تستعين بغيرها ما دامت لا تشارك
في تنمية المجتمع و تطويره حصرا في المجال الاقتصاديّ الّذي
يمكّنهنّ من التّصدّق بعد تكثير الثّروة و امتلاك المال و
التّصرّف فيه .و في رواية أخرى
[7]لنفس
الحديث ترغب زينب زوجة ابن مسعود في التّصدّق بحليها فيرفض
الرسول ذلك و يوافق رأي زوجها الذي قال لها أسرتك أولى
بالتّصدّق و لئن كان الزّوج يفكّر في مصلحة أسرته و أولاده
فإنّ رفض الرسول صلى الله عليه و سلّم ذلك يرتبط بأمر آخر هو
تنبيه المرأة إلى أنّها لم تفهم الإشارة بل اكتفت بإنفاق ما
لديها من مال يصلح لأسرتها لأنّها لم تحاول تكثير ثروتها و
استثمارها للتّصدّق منها بعد إدخال مالها ضمن الدّورة
الاقتصاديّة التي تخدم المجتمع و تطوّره.
و بناء على ما تقدّم فإنّ الحديث
النّبويّ على علاّته يفتح بابا جديدا
من التّفكير في مسألة المرأة. وإذا نحن أدركنا الإشارات
الواردة فيه عرفنا أنّ
غاية الرّسالة المحمّديّة أن لا تؤبّد وضعيّة المرأة في ما
يخصّ الشّهادة في
المسائل الاقتصاديّة .و إنّما وصل بها إلى أقصى ما يمكن أن
يدركه القوم في ذلك الزّمان لأنّ النّقص ليس خاصّا بالمرأة وحدها
وإنّما هو
شامل المرأة و الرّجل على حدّ السّواء فليست المرأة فقط ناقصة
عقل و دين بل الرّجل أيضا و ذلك لأنّ الكمال لله وحده سبحانه و
تعالى .و الإنسان بشطريه الرّجل و المرأة يحتاج واحدهما إلى أن
يذكّر الآخر .أليس هو الكائن النّاقص الّذي يحاول بلوغ أقصى
درجات الرّقيّ شيئا فشيئا ؟.ثمّ هل تغيّرت حياتنا منذ ذلك
الحين حتّى ندعو إلى تغيير وضعية المرأة ألسنا نمشي ناظرين إلى
الوراء على خلاف الأنبياء و الرّسل و العلماء و المطوّرين
للحياة الذين لا يمشون مكبّين على وجوههم و لا ملتفتين إلى
الوراء بل يتقدّمون موكب الإنسانيّة ساعين إلى الأمام ناظرين
إلى الأعالي حيث يجب أن يصل الإنسان بتظافر جهود الذّكور و
الإناث على حدّ السّواء؟ |