يعيش الملك ... يحيا الملك.. |
.
ضجر الملك، لقد ضجر.. ضجر ، فأراد أن يتسلى ، لأن الرعية
تؤمّن على كل ما يقول . و لو ألقاها في
الجحيم لتقبلت ذلك مستبشرة راضية و هي لا تني تعظمه و تدعو له
بدوام الملك و السلطان.
لقد استتب الأمن بفضل القوانين التي أصدرها هو و نفذها رئيس
الحرس. فكر الملك: ماذا يسّليني؟
ماذا يسلّيني؟ ثم تألم: إنّ الفراغ مقرف... لا الصّيد و
لا الطّعام و لا النّساء و لا الكتب سلّتني، لقد جربت كل شيء و
لكن ما في ذلك من لذة أف من هذه المعيشة أف ! ثم رفع
عقيرته بالصياح صارخا ملء صوته الأبحّ في غضب: يا حاجب...
جئني برئيس الحرس .
خرج الحاجب مسرعا، فوجد رئيس الحرس عند الباب و هو يغط في
النوم. كيف لا ينام و قد أدخل كل اللصوص و المارقين السجن.
و لمّا خرج الحاجب ، قال
الملك في نفسه: يجب أن أجد إشاعة أشغل بها الرعية و
أتسلى... إذا لم تدب الحياة في المملكة مت و
ذهب ملكي ... ما حياتي إن لم أمارس السلطة و ألبس التاج و أحمل
الصولجان ؟؟؟!... دخل رئيس الحرس
فصدعه الملك بقوله: بلغني أن واحدا من رعيتي يشيع خبرا و يدّعي
أنني قتلت كلابي الحبيبة في لحظة غضب على زوجاتي لأنني مللتهن
و لم أعد قادرا على مواقعتهن و لا على الإمساك بزمام السلطة...
إن لم تأتني به قبل غروب الشمس فتهيأ لتقديم نفسك وجبة لكلابي
الجائعة... هيا ابحث و بسرعة... اغرب عن وجهي... و إياك و
التهاون و التقصير !..
ذهل رئيس الحرس و فوجئ بما قاله الملك
و تساءل كيف لم يعلم بما أخبره به الملك قبل أن يتسلل الخبر
إلى القصر... لكن ما دام الملك هو الذي قال ذلك فالخبر صحيح..
خرج رئيس الحرس مسرعا مزمجرا كالأسد الغضوب و قصد الأحياء
الفقيرة المعروفة بالشغب سابقا. و جاء بكل من نطق بكلمة يشتم
منها رائحة معارضة الملك أو التظاهر بحب الملك. حجزهم في السجن
ثم راح المحققون يمارسون شتى الطرق لجعلهم يعترفون. و فتحت
ملفات ناس ماتوا و بحث عنهم. و لما لم يجدهم رئيس الحرس جلب
خلفهم و حقق معهم لاعتقاده أن ذلك يورث و يتنقل كالعدوى أو
كالنار في الهشيم. و إذ لم يجد لديهم ما كان يبحث عنه أطلق
سراحهم بعد أن أمضوا تعهدا التزموا فيه بعدم التعرض للشخصيات
المهمة في المملكة. لم يجد رئيس
الحرس بغيته عند العامة ففكر في فئة التجار و جاء بهم فأنكروا
ما سمعوا ثم تعهد أمينهم بتقديم جيد الطعام لكلاب السلطان و
ذلك بأن يأتوا بالسفن محملة بجيد أغذية الكلاب معلبة و طازجة
من جميع الماركات العالمية تكفي كلاب الملك إلى الأبد مجانا مع
تقديم ولائهم الأعمى للسلطان حامي السماسرة و التجار.
جاء الظهر فلم يتناول رئيس الحرس فطوره بل فكر في القائد
الأعلى للقوات المسلحة فصك جبهته و هو يقول:"يا لي من غبي لقد
نفيناه يحرس الحدود بعيدا عن أسوار المملكة، هذا ينبغي
استبعاده من هذه الورطة " احتار
في الأمر و تعجب من حيرته و عجزه ثم فكر بجدية و صاح:" المفتي...
لم لا يكون هو المذنب ؟ فهو مخادع ذو طموحات زد على ذلك أنه
يكره الكلاب...ألم يدع أنها تطرد الملائكة من المنازل و أن
الإناء الذي يلغ فيه الكلب يجب أن يغسل سبع مرات أولاها
بالتراب...لعله هو بل لقد ثبت عليه أنه شخص لا يحب الكلاب إنه
هو! لا شك أنه هو ... الويل له !! "
بعث رئيس الحرس في طلبهحنجرته.يه عاري الرأس مهينا في سرواله
الفضفاض و جبته في يده و أصدر في الحال فتوى مفادها أنه أخطأ
في حكمه على الكلاب و تعهد بأن يصحب في كل جولاته الرسمية
خصوصا كلبا من الكلاب المدجنة.فأعلن البراح ذلك بملء حنجرته.ثم
عاد إلى القصر ليأمره رئيس الحرس بأنالنحاسية:لرعية بملء
حنجرته النحاسية:"
" يا أهل المملكة الأبرار يوجد بينكم أشرار لا شغل لهم غير
إشاعة غالط الأخبار.. و من ادعى أن سيدنا أبقاه الله قد قتل ما
لديه من كلاب فهو كاذب كذاب فليتقدم للعدالة رضي النفس لعل
سيدنا يعفو عنه قبل غروب الشمس و من أنذر فقد أعذر يا أهل
المملكة الأشرار...!؟؟"
لم يأت أحد و تعجبت الرعية من الأمر الغريب
الذي شاع. و أسر كل واحد إلى الآخر:" إن كلاب الملك ماتت و
دفنت " و منهم من شطك في الأمر و كثر القيل و القال و انتشرت
الأراجيف و الشكوك و منهم من قال:" كلاب مولانا لا تموت، كلاب
سيدنا لا يراها إلا المذنبون "
جاء العصر و رئيس الحرس ما فتئ
يعيد البراح ليعيد إعلان ما أعلن. و لم ين باحثا عمن نشر
الإشاعة و فرق الجماعة. و صاح البراح:"
يا ويح من نشر الإشاعة و
فرق الجماعة... يا أهل المملكة عقاب المذنب بعد المغرب
بلغت الإشاعة الممالك
الأخرى، فسخروا من المملكة و الملك و اتهموه بالسفاالأجنبية, و
الأفن، و ولغ الأعداء في عرض الملك و الرعية جميعا.و ظنت
الرعية أنه قد قبض على المذنب لأن رئيس الحرس استعان
بالاستخبارات الأجنبية, أذاع الأمر بكل الوسائل حتى يحافظ على
هيبته و مركزه في السلطة
فقصد رئيسفي انتظار غروب شمس
المذنب ناشر الإشاعة و مفرق الجماعة. فقصد رئيس الحرس
ديوان رئيس الوزراء و قال له باكيا :" سيدي أعني
أنقذني من الورطة فإن رأسي قد أصبح مشدودا في خيط عنكبوت
...ليأذن ليطول النهار لكن بدون جدوى... ليأذن لي
سيدي الوزير بالبحث عمن أذاع الخبر داخل القصر ... اعذرني فهذا
آخر حل...
جمع رئيس الحرس الوزراء و الكتبة
و الطباخين و السائسين و الخدم جميعا و جيء بهم كلهم رجالا و
نساء و أطفالا و شبابا و شيوخا حتى الرضع جاء بهم لكن لم يتبين
له الأمر، و حار و أسقط في يده.
*** حل المغرب، فتجمعت
الرعية في ساحة المملكة أمام القصر و جاء سائس الكلاب بكلابه
المسعورة الجائعة. كانت تهر و تجذبه و توشك أنم ترتمي على
الحاضرين، محمرة عيونها، بارزة نبوبها. فراحت تهري حلبة
الصراع. فراحت تهر على بعضها و تعض ذيولها في حركة
مجنونة . عندئذ صدقت الرعية أن الكلاب حية ترزق و رددوا:" كلاب
السلطان لا تموت... لا تموت !! تحيا كلاب مولانا السلطان
تعيش... تعيش... تعيش...
أمام الحلبة جلس الملك على عرشه و جيء برئيس الحرس ذليلا و
أوقف أمام الملك و أسكت الجميع فقال الملك مستهزئا:"هل وجدت
الشخص الذي نشر الإشاعة و أذاعها في العالم."... سكت رئيس
الحرس و نكس رأسه ثم قال بصوت خافت ذليل لا يكاد يسمع كأنه فأر
مخنوق:"لا يا مولاي" عندئذ قال الملك متبجحا:" إذن فقد حق عليك
العقاب " سكت رئيس الحرس فأضاف الملك:" أما أنا فأعرف من فعل
ذلك " جحظت عينا رئيس الحرس و
اندهش الحاضرون و فغروا أفواههم. فأضاف الملك:" أنا من صنع
الإشاعة يا رئيس حرسي الفاشل... و أنت يا غبي من نشرها و
أذاعها،.لقد فشلت في الاختبار حين جد الجد يا مغفل"ثم أضاف
الملك:" أنت من قتل نفسه بغبائه " ثم قهقه و هو يدفعه وسط
الحلبة بين الكلاب المسعورة التي تنتظر كل من يسقط لتنهشه و إن
كان الساقط الملك نفسه.فصاح رئيس الحرس الجديد:" يحيا
الملك...و رددت الرعية من ورائه:" يحيا الملك.يعيش. .يعيش.
.يعيش.:"
|
منزل جميل في 6/11/1996 |
|
|