|
1
»
إنّها تسعة أشهر كاملة بلياليها الطّويلة وأمّي تنتظر بتشوّق مولودها
الجديد. وكان قلقي خلال ذلك يزداد مع مرور الأيّام تضخّما: ترى هل سيشغل
الكائن الصّغير أمّي عنّي ؟ هل ستنجح في التّوفيق بيننا معا؟ أسئلة كثيرة
محيّرة وغيرة لاذعة تكاد تمزّق قلبي الصّغير...
أخيرا حان الوقت الموعود فذهبت
أمّي إلى المستشفى لتضع مولودا. هل سيكون ذكرا أم أنثى ؟ هل بإمكاني أن
أحافظ على حبّ أمي واهتمامها بي أم سيستحوذ عليهما الوافد الجديد ؟ أسئلة
محيّرة شغلتني ليلة كاملة فلم يغمض لي فيها جفن . وأنّى لي ذلك والوضعية قد
باتت حرجة ؟ !
منذ الفجر، اجتمع كلّ الأقارب في بيتنا بعد أن
أخبرهم أبي بالهاتف أنّ أمّي قد "خلّص اللّه وحلها " وأنجبت ولدا... بعثر
الخبر خواطري فباتت الهواجس تعبث بي يمنة ويسرة... هل هو الشّوق يبرّح بي
لأمّي الحبيبة أم هي الغيرة من مزاحم جديد على قلب أمّي ؟ مرّ الوقت سريعا
وها إنّي أمام الموقف الحرج أعيش فعلا اللّحظة الحاسمة...
تملّكني
إحساس بالتّردّد...
ثمّ
تاهت نظراتي الحائرة بين أمّي الواقفة وقد احتضنت كائنا صغيرا من ناحية
وأقاربي الملتفّين حولهما وقد اتّجهت أنظارهم نحوي في انتظار ردّ
فعلي من ناحية أخرى .
يا لها من كارثة
!ماذا
سأفعل ؟ حلّق فكري بعيدا، وتصبّب العرق من جبيني... أعادني صوت بكاء أخي
الجديد إلى الواقع، أثار فيّ قشعريرة ارتجف لها كياني. هل أقبل على أمّي
وابنها أو أظهر علامات الغضب وعدم الرّضا ؟ ولكن هذا لن يعيد الولد إلى بطن
أمّه ولن يجعل أمّي تتخلّى عن ولدها... انّه مخلوق بريء لا يدرك ممّا حوله
شيئا... بل بالعكس فعندما يكبر سيصبح بهجة أيّامي، وسيملأ فراغي ويؤنس
وحدتي ويجعل منّي قدوة صالحة له.
وأخيرا أدركت الإحساس بالطّمأنينة
واقتنعت نهائيا بقيمة هذه النّعمة الّتي منحنا إيّاها الّله عزّ وجلّ،
فأطلقت ساقيّ للرّيح وارتميت بين أحضان أمّي وجعلت أقبّلها وأقبّل أخي
وأضمّه إلى صدري. وكأنّ اللّه قد ألهمني سواء السّبيل فأنار دربي وهداني
إلى برد اليقين. رسمت حينئذ أمّي على جبيني قبلة حارّة ضاعفت يقيني وإيماني
وحبّي. «
فراس الغويل المدرسة الإعداديّة بمنزل جميل(2002)
|
