ما فتئ زملاؤنا  المدرّسون  و الصّحافيون في وسائل الإعلام و النّاس عامة  يقولون أو يتصرفون على أساس أن القراءة أصبحت معدومة في عداد الماضي  أو عملة قديمة نادرة لا يتعامل بها الناس. و كثيرا ما شكا الآباء  و المختصّون من أنّ أبناءنا من الجيل  الجديد لا يقرؤون  و إن قرأوا فقراءتهم  نادرة أو محدودة أو موجّهة و يلقون اللوم على وسائــــل الإعلام  من دون أن يتساءلوا هل هم يقرأون أصلا ، و هل درّبوا أولادهم و أنفسهم على القراءة ، بل هــــــــــل إنّ مفهوم القراءة هو نفسه بالنسبة للجميع ، و هل القراءة قراءة واحدة أو هي قراءات. و هل توفرت الدّافعيّة و الموضوع و الجـــــوّ المناسب  لذلك ؟.
  منطلق الفكرة :   

            كان ذلك في شهر فيفري من سنة 2007 حين فكّرت وحدي أوّلا  ثمّ مع صديقي و زميلي فتحي  زيود في الأمر . فقلنا لا بدّ من إيجاد حلّ للمسألة و خصوصا  في نطاق  اللجنة الثقافيّة المحلّيّة بمنزل جميل .فارتأينا أن تكون  لنا مجالس على غرار  مجالس منزل عبد الرحمان . لكنّ فكرة مجالس لا تستجيب  لما نرغب فيه و لا تتماشى مع أهدافنا و رؤانـــــا للمسألة و إن كانت تمثّل جزءا ممّا نطمح  إليه .. و عندئذ وُلدت فكرة  "صالون قرأت لك"!
 فلماذا اسم "صالون قرأت لكْ": : ؤ

        اسم منتدانا المزمع هو" صالون قرأت لك" و في هذه العبارة إلماح  إلى عدم الاكتفاء باللغة العربيّة وسيلة للإنتــــاج
 و التّخاطب . فالصّالون كلمة فرنسيّة من أصل إيطاليّ و هي تعني الغرفة المخصصة في المنزل لاستقبال الضّيــــــوف ،
 و هي تعني أيضا الرّواق الذي تعرض فيه الأعمال الفنّيّة من منحوتات و رسوم و غير ذلك ...كما تعني عمليّة العـــرض نفسها و إن تنوعت المعروضات  من سيارات  و تحف و ملابس...وإذا ما وردت هذه الكلمة في الفرنسيّة في صيغة الجمع فإنّ معناها المجازي هو حسن الصّحبة و جماعة النّاس المنتسبين إلى النّخبة من علية القوم .
         و هذه التّسمية تذكِّر بصالون  مدام دي ستايل و صالوني العقّاد و مي زيادة و... و جماعة تحت السّور غيرهم .
  في مفهوم القراءة: 

       و أمّا عبارة قرأت لك فهي  ذات صلة متينة بالآية القرآنية التي افتتحت  الوحي  بقوله تعالى : " اقرأ باسم ربّك الذي خلق".
و لئن كانت فكرة قرأت لك ترتبط في ظاهرها  بقراءة ما هو مكتوب فإنّ  القراءة في مفهومها البِكْر الأعمّ الذي نذهب إليه لا تكتفي بما هو مكتوب  و إن كان هو الأساس و عليه الارتكاز في عصرنا الحاضر بل نحن نذهب إلى المعنى اللغـــــوي الذي ينفتح على جملة من المعاني و المفاهيم  الثريّة التي توسع العبارة و لا تضيّقها و تفتح على المعنى و التّأويل بابا و لا تغلقه و قد أجملنا المعاني التي أوردها ابن منظور في لسان العرب( ط1 دار صـــــــــــادر ببيروت1410هـ=1990م ج1 صص128/132) و لخّصناها في ما يلي =
1 * أ) معنى الحمل و الولادة وإلقاء الجنين و إسقاطه [لعلّه غير تام الخلق و لا ضير في أن تكون القراءة كذلك].
  *ب) معنى الحيض و رؤية الدّم و الطّهر منه [و هو يرتبط ارتباطا أساسيّا بالحمل و الولادة و الطّهارة أو إمكانيّة ذلك
         لوجود أرضية صّالحة للتكاثر.] 
2 *    أ) معنى الجمع و الضّمّ .
   *   ب) معنى اللّفظ و إلقاء الكلام مجموعا.
   *   ج) معنى الإبلاغ =إبلاغ السّلام(=قرأ عليه السّلام).
3 *  أ)طلب القراءة(=الاستقراء).
   *ب)الصّيرورة إلى القراءة و التّنسّك.
4 *   التّفقّه و المدارسة(=المقارأة).        

        و بناء على ذلك فليس من شروط القراءة التّمام  و الكمال بل هي طريق لا ينتهي و ارتقاء  نحو الأعلى و تراكـــــم  للمعرفة و توليد لها و تكثير للمعنى و لفظ  للكلام  في إطار من التّنسك و السّلام لغاية التفقّه و المدارسة و الاستقراء .

         و العبارة تشير إلى طرفين  اثنين :طرف أوّل هو أنا من ناحية و يظهر في الضمير المتّصل (تُ)و طرف ثان هــو أنت و يظهر في الضمير المتّصل (كَ). فعبارة قرأت لك تحمل وجهين  من المعنى: قرأت أنا لك و قرأت أنت لي باعتبــار العبارة حين ينطق بها  المرء تصبح  ملتصقة به . فهي أقرب إلى العقيدة أعني الإعتقاد في الأنا ذلك المفهوم الذي جاء بــه الرومنطيقيون و نمّوه و طوّروه و تفسّحوا في ربوعه. فالكلّ يقرأ  و ليست القراءة خاصة   بأحد دون آخر.
        المهم هو إسناد الفائدة من الطرف الأول إلى الطّرف الثاني و هذا يدل عليه حرف الجرّ( لـِ ) و في ذلك ثراء للعقــل و  نماء للذوق و تغيير للسلوك وتقوية للجسد و صفاء للروح  و تنمية للشخصيّة و متعة للنّفس. و بتبادل الأدوار يصبح أنــا أنت و أنت أنا لأنّ الكلّ في هذا الصّالون يقرأ  و يفيد و يتلقّى و يستفيد . فوداعا للمتلقي السلبي الذي عهدناه و ألفناه متقبّـلا ،متفرجا. و أهلا بالمشارك الايجابي الذي نروم  بناءه و العمل معه .
        و لا يهمّ من يقرأ لمن من حيث الجنس أو السنّ أو الانتماء  أو المستوى الثقافي... المهمّ  هو أنّ اللّقاء  فرصة للتعارف و التّفاعل الذي يريد من خلاله  كل واحد من المشاركين إفادة الموجودين  و الارتقاء بهم  من  خلال الارتقاء بنفسه.
        و تبعا لذلك فكلّ  المواضيع قابلة لأن تكون مشروع قراءة  سواء كانت شفويّة أو مكتوبة ، ملموسة أو خائليّة ،تنتمي إلى الماضي أو الحاضر أو المستقبل ،سامية أو مُسِفّـــة، ؛ المهمّ أنّ كلّ ما يكتب  يقرأ و كلّ ما يقال  أو ينتج فلا بدّ مــــــن حفظه بل تطويره حتّى لا يتلاشى أدراج الرّياح!لا للمحافظة و الجمود و التقهقر. نعم للتّطوّر و الحركة و التّقدّم ؛باختصار نعم للحياة، لا للموت!
       و في النهاية لا قيمة للقراءة إن لم تتمّ في إطار من الحرّيّة الفكريّة و التسامح و الاحترام المتبادل بعيدا عـــــن القيود
و الموانع و التّعصّب و الاحتكار و كلّ العوائق التي تمنع النّور و الحياة مهما كان نوعها.!
 المكان= 

          يبقى مشكل المكان الذي تتمّ فيه اللّقاءات قائم الذّات و عائقا في وجه النّشاط المزمع  إذ لا يوجد في منزل جميل مكان في شكل صالون بأتمّ معنى الكلمة . و لذلك فتهيئة المكان المناسب  تبقى طموحا  و رغبة عساها تحلّ في القريب العاجل . فهل يحقّ للجنة الثقافيّة المحلية بمنزل جميل أن تحلم بمحلّ لائق بأنشطتها المستقبليّة لأنّها فعلا دينامو العمـــل الجمعياتي . فمتى نتحرّك و نسعى ليكون لنا محل مستقلّ ؟
         و في انتظار ذلك سيكون المكان متنقّلا غير قارّ . و لذلك نشكر مسبّقا كلّ من قبلنا ضيوفا عنده.
 الزمان=   

          نلتقي في السّنة اثنتيْ عشْرة مرّة في الشّهر و يكون ذلك في  يوم الجمعة الأول من كل شهر ميلادي.

  دعوة و رجاء= 

          و في نهاية هذا المنفستو  ندعو بقيّة اللجان الثقافيّة إلى النسج على المنوال  لعلّنا نقبل  على القراءة :قراءة الواقــع
 و الرشاد لتغييره  نحو الأفضل , و من منّا لا يروم الأفضل و لا يحبّ الارتقاء بنفسه و بغيره ممن يشاركونه فـــــــــــي المواطنة و الإنسانية ؟و من منّا لا يهمّه إغناء  العقل و الوجدان و من منّا لا يسعى نحو الأفضل ؟ و من منّا لا يريـــد أن يعيش في إطار من السّلم الاجتماعيّة ؟ ألا تؤمنون معنا أنّنا مهما اختلفنا فلا بدّ من فهم ذلك الاختلاف و احترامه و إغنائه دون تعصّب أو احتكار!!!.فالحقيقة هي أنّنا محكومون بالاختلاف و مع ذلك يجب أن نعيش معا...
       و نرجو من وزارة الثقافة و المحافظة على التّراث أن تتبنّى الفكرة و أن تسهر على رواجها و احتضانها  حتّى نبني ديناميكيّة ثقافيّة يساهم فيها الجميع .
  ملاحظة  =
      لا تتبنّى اللجنة الثقافيّة المحليّة بمنزل جميل بالضّرورة الآراء المعبّر عنها أثناء انعقاد الصّالونات .   

 محمّد الهادي الكعبوري   و  فتحي زيود   

مع أطيب تمنّيات.
 "صالون قرأت لك"
  بإيجاز..