رسالة الشيخ بن موسى إلى شيخه

بسم الله الرحمان الرحيم .

 و صلى الله على سيدنا محمد و على آله  و صحبه و سلم تسليما .قطب دائرة الشريعة المحمدية و أحد نواب التبليغ عن  الحضرة المصطفوية .ينبوع معارف الأحكام الدينية .الغواص عن  جواهرها الأصولية و الفرعية  من  جرََّبت الاقتباسَ من علومه الأكيدة الأكباد ؛ و شُدّّت له المطايا من كل صقع و ناد ؛ حتى عم نفعه سائر الأقطار و البلاد . فلا غرو أنه مالك وقته و عصره ، قد أسفر صبحه بعد لمعان فجره.  فلا مكرمة إلا و هو آخذ  بزمامها، و لا شاردة إلا و هو  المقتنص لها و الممسك  للجامها . و لا عروسة تتجلّى  في حليها و مغانيها إلا و زُفَّّت إليه  ببديع جمالها و معانيها ؛ و لا سلسبيل إلا  و قد كرع من زلاله ، حتى ارتوى  من خندريس رحيقه و جرياله ؛ و لا ركن في الدين  إلا و شيد  مبانيه ؛ و لا متداع إلا و جد في تلافيه ؛ و لا عويصة إلا  و أزال إشكال وحلها، و حلّها  بثاقب فكره فحلّها . و تدفقت  بحور علومه في المنطوق و المفهوم  و شكّل  غامضها بشكال الحدود و الرسوم . فعند ذلك  تقاطرت عليه  وفود الأنام . و المورد العذب كثير الزحام . كم فك نحر درر من  كريم أنفاسه  العواطر؛ و البحر تستخرج منه اللئالئ و الجواهر . أما شريف أخلاقه ، فحدّث بما شئت و لا تبال . و كفى بذلك شهادة الأنام  و الأيام و الليالي  . قد انتهج  في ذلك  المنهج المستقيم ، تأسيا بقول الله العظيم لنبيه الكريم . "و إنك لعلى خلق عظيم إذ عليه مدار  هذا الحديث السليم لإقبال الشارد و الإقبال إليه  بقلب سليم. و أما برّه و فعله للخيرات، فله فيها ما يتخلد  ذكره مدى الدهر و تعاقب اللحظات .  فكم أعدّ لها من جفان كالجوابي و قدور راسيات  بتوقيفه منافع على الجامع الأعظم المصون و على تلاميذه، إعانة لهم على ما هم بصدده. و في ذلك فليتنافس المتنافسون ؛ ليقتني بذلك ثواب  الصدقة و الدعاء  بعد بثه للعلوم في صدور الرجال ، عملا بقوله صلى الله عليه و سلم  "إذا مات ابن آدم  انقطع عمله إلا من هذه الأعمال ." أو كما قال. و كفى بذلك فخرا و اقتناء  و ذخرا ." و ما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه  عند الله هو خيرا  و أعظم أجرا". وعلى تفنُّن واصفيه بحسنهم ، يفنى الزمان. و فيه ما لم يوصف . لكن العاجز مثلي ، يكتفي بهذه الحثالة و ينثر بلسانه قلمه هاته العجالة:

سقى الله ربعا طاب من نشركم عرفا    بأنفاسكم طاب النسيم به لطفا

فإنّك مصباح الأنام بأسرهم                  و أنتم؟ سراج لا يقطع و لا يطفا

و إنك قاموس العلوم جميعها           و مصباح فضل في المعارف لايخفى

فتحت من التلخيص كل مغلَّق      و اهديت بالمفتاح  من سعده تحضى

و أبرزت من عقْد اللّواصف لؤلؤا     فهامت به من كان يطرقها خلفا

و أبديت في التنزيل كشفا  محقّقا    لمعنى كلام ما أدقّ و ما أخفى

و في سنّ مكتوم الحديث لمسلم    بسنة خير الخلق زادت بكم لطفا

و ميزته جزما كفعل و فاعل            و تصرف مجموعا و تمنعه الصرفا

وزنت بميزان العلوم  و منطق     أزلت به عن  كل أوجهها  سجفا

و أبديت بالذوق السليم  براهنا    قواطع كالسيف المشهر رهفا

رضت به عقد التوحيد ربنا          شربنا  به  من كأس مختومة الصرفا

كذلك في علم القراءات مرتع   نفيس له سبعا  بدورا و أحرفا

و أنهلت من مزن الخليل  جواهرا   فمن لاقط درا و من راشف رشفا

فأنت إذا جمع الجوامع كامل  لذا كنت صدرا للشريعة متحفا

و من كل علم قد تضلع و اغتذى   و من كل مشروب له المورد الأصفى

أيا كل من يصغي إلى الخير أذنه  فدونك أنصت يا خليلي و شنفا

و لا تستمع واش و لا قول حاسد   يصير ذا الوصف الوخيم على شفا

فمن جذل  وجه الحبيب مبلج     و من حنق يثني الحسود له عطفا

فوجه حسود عابس و مقطب   فدعه يمت كمدا عن الحق تألفا ؟

فيا أيها الشهم العديم  نظيره     فلا زلت ترقى في الكمالات رفرفا

    ألا وهو علامة زمانه في سائر الأقطار شيخي و أستاذ الأساتذة على الإطلاق زينة المجالس و المحافل من افتخرت  به الأواخر عن الأوائل الشيخ الأكبر سيدي  عمر بن الشيخ  المفتي المالكي  بهذا القطر المحروس حماه الله بفضله من كل ما يتوقع من الضر و البؤس و دامت معاليه و سعدت أيامه و لياليه.

       أما بعد أداء ما يجب لشامخ حضرتكم من مراسم السلام الممزوج بمسك  الختام و المؤدي لجلالتكم ما  يُعْزَى لكمال المبرة و المهابة و الاحترام مع تقبيل الأيدي و الأقدام فقد وافاني بحمد الله  مكتوبكم الكريم فعوّذته ببسم الله الرحمان الرحيم  و معه خريدتان من التأليف المرسوم بالتوسل إلى الرب  العظيم بالصلاة على النبي  الكريم و  بالآيات و الذكر الحكيم فيا لها من خريدة ما أجلها و ما أعز في الارتقاء محلها إذ هي في بابها من أشرف الخصال و مع ذلك لم ينسج قبلها و لا بعدها على هذا المنوال حاكتها يد الأبر الناسك من السعيد المبرور و الغطاء الوافي المأثور و الكمالات الباذخة البارة  و المكارم التي تقصر عنها العبارة السميذعي الأنبه المشهور والدكم أبو العباس  سيدي الحاج أحمد المقدس المبرور  قدس الله روحه و أغدق بالرضوان ضريحه و أسكنه من الجنان فسيحه ابن الإمام الواعظ الخطيب ابن الحسن  سيدي الحاج علي الماجد الأريب  بارك الله في الخلف كما بارك في رفيع هذا السلف  فنسخة منها لعبدكم و الأخرى لصهرنا  الذي هو من أبنائكم  معدود  و محسوب  الأغر الأنبه  اللبيب العدل سيدي محمد الطاهر المحجوب فجزاكم الله جميل جزائه رافلين في ثياب العافية و متقلبين  في جزيل نعمائه خدم بها مؤلفها الأعتاب النبوية و الحضرة الملكوتية  راجيا من المولى  الكريم التمسك  بكريم أذياله و الدخول في زمرة المشفوع لهم بالالتفات إليه و إقباله صلى الله عليه و على صحبه وآله حقق الله رجاءه و ثبت به أولياؤه فالتمسك بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم نجاة لطالبها إذ هي كما قيل حبس على صاحبها بعدما انهلت سحب أعماله بفعل الخيرات متقلبا في ثواب البر و أنواع  الطاعات عملا بقوله تعالى  "إن الحسنات يذهبن السيئات " مما تحمد به عقباه على الدوام إذ مآثره الحسنة لا ينقطع ثوابها بانقطاع  الشهور و الأعوام حسبما شاهدها و شهد بها الخاص و العام كما وردت به الأخبار الصحيحة عن سيد الأنام فالله يجعله ممن ينادى عنه باب الجنة" فادخلوها بسلام" و قد عاقب من رآه في حلبة الميدان و خصوصا من فاق على الإطلاق أبناء هذا الزمان المشار إليه بالبنان و المحمود بكل لسان فحق أن يمتثل بين يديه و ينثر جنى المعنى لديه. 

شاهدت  و نهدحف شامخ جلل   في النّشر مسكا بدا في الذوق كالعسل

إن شئت قلت فذا روض أنيق به      نزهة  فنتنزه  في القول و العمل

أو شئت قلت فذا ورد  لملتقط     ليست لقيمته  حد بكل علي

أ و  شئت قلت فذا بذر لحاصده  أغناك مرتعه عن كل منسدل

أو شئت قلت فيه فذا تجر لمتّجر   أرباح مكسبه كالوابل الهطل

أو قلت هو شراب الأنس منبعه    جنة عدن  فلم تنسب إلى الهزل

أو قلت فيه هو الفردوس يسكنه    خير انسيين و الأملاك و الرسل

أو قلت فيه هو الحسن  بأجمعه    من كل طرز  على حلي و في حلل

صاغته أيدي الهدى من خير أولي النهى  نالت به الفوز  عند الله من عجل

هو الكريم الناسك الأبرق الفطن    اللوذعي الأريب الناجح الأمل

الحاج أحمد بن الشيخ شهرته   يا حبذا  قربة من أحسن العمل

و زاد عنها صنوف البر  منها بدا      توقيف وقف على  القرآن و السبل

و كم له صدقات البر جارية   تروى عن السيل عن قطر عن الجبل (الجيل؟)

إلى فناء الزمان فيه معتمدا    قول النبي بما معناه  في المثل

يختم للمرء  بالحسنى إذا  ختمت     أنفاسه و هو  في أرخى من العمل  

و ذا أدل دليل  عن سعادته       أكرم به موعد ؟  من  أصدق الرسل

لله من عقب أسنى مخلفه      ستنتهي ؟ من جميل الذكر في حلل

لهم كالثريا انتظاما في كواكبها    و في ارتفاع بمن مات و لم يزل

كل على قسمة النهار سيرهم     و كلهم من شعوب الخير في  نهل

أزكاهم الكوكب الدريّ نارت به    شمس العلوم و قد كانت على  الطفل

تختصر القول على قطب الشمال أيا  شيخ الشيوخ عن التفصيل  للجمل

كل السعاة و إن جد المسير فهم    وراء خطوك لو تمشي على سهل

يا حاج إن له  في كل مكرمة      حظا عظيما فدن للحق  و  امتثل

و قل لمن رام شأوا في  عزائمه    ليس التكحل في العينين كالكحل

يا رب زده من الإحسان عافية    و امنحه  ربي فصلا (فضلا؟) فسحة الأجل

و احمد مساعيه و اختم له يا سيدي    بما ختمت للأنبياء و الرسل

و اجزه رب  جزاء لا نفاد له    في جنة الخلد من حور  و من حلل

و صلّ رب على خير الورى و على    آل و صحب بعدّ القطر و الرّمل

سيما و قد فوضها تحفة الأعيان و علامة الزمان الكوكب النيار السيار المفتي المالكي شريف النسب  عالي المقدار  أبو عبد الله الشيخ محمد النجار فزكى مآثر المؤلف و محاسنه و محاسن هذا التأليف  بأوجز عبارة  بليغة من غير تكليف  عامله الله بجزيل عطائه المدرار و خلد عليه جميل الذكر بخلود الفلك الدوار و ذيّلها النقابة النسابة صفوة الخيرة العالم المتفنن الإمام الخطيب الواعظ أبو عبد الله الشيخ سيدي محمد محسن  ذكر فيها ترجمة المؤلف و بين فيها النسب الكريم بما تيسر له و أمكن و و أحصى بها إيخاله الكرام  و رحم لكل بما اشتمل عليه من المحامد و خصوصا من الإمام حيث ترجم له بتقلباته في مراقي العز و التمكين بعد أن كابد مكابدات التدوين  فالله يجازيه خيرا على ما أسداه و أبداه و يعامله بما يتمناه في الدنيا   [ و]    يوم لقاه . و ليكن في معلوم سيدي أني مخوف المزاج و على غاية من القلق و الارتعاش يوجد شرير في مفاصلي أورثني كثير العلاج حتى أن لي مدة تزيد عن الشهر و أنا ملازم الفراش و جنود السلم تتراكم علي كالفراش و الأمل في أخلافكم  عدم مؤاخذتي بالعقوق بما لكم علي من واجبات الحقوق و لولا هذه المزعجات و العوائق لتمثلت بين أيديكم مثل العبد الآبق و أقتني بذلك رضاكم الكنز الابريز و ما ذلك على الله بعزيز و أرجو أن تمنحوني رضاكم و الصفح  الجميل و الله يعفو عن كثير و حسبنا الله و نعم الوكيل  و إن تلحظوني  بصالح الدعوات عند مظان تساقط الرحمات  و حرره عبد رقكم  و مقبل يديكم محمد بن موسى في 10 جمادى الثانية سـ1326هـ=1908م ـــــــــنة  .
  Partager

ناس مروا
الأمير بوكلير موسكاو
الشيخ بن موسى
الفيلسوف محجوب بن ميلاد
المناضل علي المعاوي
المناضل محجوب بن علي
المناضل الحبيب طليبة
الدكتور عبد الله صوله
الأستاذ المنجي الشملي
الشّاعر محجوب العياري
الشاعر نجيب بن علي

الصفحة السابقة

طبع الصفحة

الصفحة الرئيسية | صور | غابة الرمال | الفضاء | التاريخ | من أنا؟ | عائلتي | عائلات منزل جميل | المعالم الدينية | أمثال و أقوال | المنظمات و الجمعيات | المؤسسات | الثقافة و الفنون | ناس مروا | المتحف | راسلونا

Copyright 2012©2015 leplacartuel.com