هل الثورة حالة مؤبّدة؟

                  الثّورة ليست حالة مؤبّدة و إنّما هي فترة زمنيّة محدودة جدّا بل هي لحظة مخطوفة من الزمن تمثل ذروة المسار و سنام تطوّر الأحداث  لا امتداد لها في الزّمن و لا استرسال.فما ينعت بالثورة المستمرة أو الثورة الدّائمة إنّما هو كذبة لا أظنّ أنّ واحدا من البشر تنطلي عليه أو يميل إلى تصديقها لأنّها تسير وفق رسم محدّد تبدأ من الصّفر ليصل تصاعدها إلى ذروته ثمّ ينزل عائدا من حيث بدأ أي إلى نقطة الصّفر ليعاود الصّعود من جديد و لا تنبثق و تبدأ إلاّ عندما تصل إلى نقطة الذّروة .أمّا في صعودها فتكون في مرحلة البناء و أمّا في هبوطها فتكون سائرة نحو الفناء و الاضمحلال.
       و كما هو معلوم فإنّ ذروة  الثّورة التونسية يرتبط بتاريخ هو 14 جانفي 2011 و منذ ذلك اليوم بدأت الثّورة تفقد بريقها.
       قد لا يعجب هذا الكلام من يقدّسون الثورات و يكلّسونها و يتكسّبون منها و ينتفعون بثمراتها... و لكن لا يهمّ أنّه لا يعجبهم هذا الكلام ما دام كاتب هذه السّطور ينشد الحقيقة العلميّة و الوصول إلى تفسير مقنع إقناعا مؤقّتا غير دائم و إلا صار مناقضا لنفسه.و للبرهنة على صدق ما أذهب إليه أتّخذ القسم الجديد لرئيس الجمهوريّة  المؤقت مثالا أحلّل به النظريّة و أدعم ما أقول و في ما يلي النّصّ الذي تلاه يوم تنصيبه رئيسا للتونسيين بعد انتخابه من أغلب أعضاء المجلس التأسيسيّ الانتقاليّ:"أقسم بالله العظيم أن أحافظ على استقلال الوطن و سلامة ترابه و نظامه الجمهوريّ و أن أحترم القانون التّأسيسيّ المتعلّق بالتّنظيم المؤقّت للسّلط العموميّة و أن أسعى لحماية مصالح الوطن و ضمان قيام دولة القانون و المؤسّسات وفاء لأرواح الشّهداء و تضحيات التونسيين على مرّ الأجيال و تجسيدا لأهداف الثّورة".فبعد عبارة القسم التي هي:"أقسم بالله العظيم" يبدأ محتوى القسم ليفتتح بالحفاظ الذي هو المواظبة على الأمر و المداومة عليه و حراسته و المحافظة على العهد و المحاماة على الحرم و منعها من العدوّ و التي هي الوفاء بالعقد و التّمسّك بالودّ و ينتهي بلفظ الثورة التي باتت في ذيل النّصّ و آخر اهتماماته. أمّا قلب نصّ القسم الذي يثير حفيظة المتعهّد و غضبه و أنفته فمفرداته تتمحور حول معاني السّكون و العبوديّة و الرّضوخ و الرضى و من ذلك عبارات:سلامة ـ نظام ـ أحترام ـ القانون ـ التنظيم ـ المؤسسات ـ  وفاء.....فالمحافظة و السّلامة و النّظام و القانون و التنظيم و الحماية و الضمان كلّها تحيل على معاني السّكون و الاستعباد مما ينتفي مع الثورة التي من معانيها الهيجان و الغضب و الفوران و الوثوب و المساورة و الظهور و السّطوع و الانتشار و التّفرّق .
     و هذا الذي ذهبت إليه تلخّصه علامة الانتصار /\ فأعلاها قمّة انتصارين و قاعها حضيض موت بين ثورتين فالقمة الأولى و بمجرد قيامها يبدأ العدّ التّنازليّ لموتها ...و هذا هو ما شرعت فيه الثورة التونسية  حين انقض على نتائجها من لم يشارك فيها و تبنّت بعض الأحزاب و وسائل الإعلام المحافظة قضيّتها فانتصر فيها من لم ينجزها و لم يساهم فيها أو يمهّد لها و دخل  قبّة مجلس النّوّاب من دخل و أخذ مكاسبها غير أهلها الذين هم وقودها فراحوا يبيعون و يشترون و يناورون و يأخذون و يكسبون و يزايدون  واهمين أنّهم من أحرق البلد في سبيل انتصارها  فهؤلاء خسروا  و هؤلاء  ربحوا و جنوا المكاسب  المادّيّة و أو المعنوية و شمخوا في جذل و حبور...و لعلي لا أجانب الصّواب حين أقول لقد بدأ أفول الثّورة مثل كل الثورات التاريخية العظمى يوم بدأ التّغنّي بأمجادها و تدشين النصب و التّلذّذ بالتّفرّج عليها في الغرف النّاعمة و القاعات المغلقة الدّافئة التي لا يتحرّك فيها إلا ناس باتوا مجرّد صور باهتة في الأفلام التسجيلية التي تذكّر بأمجاد الثورة و تسجل تضحيات صانعيها و نضالاتهم .و بدأ تكريس موتها بالاحتفال  بذكراها الأولى  فالثانية فالثّالثة  إلى ما لا نهاية ؟؟؟؟؟؟حتى الدّستور الذي يراد بناؤه يراد له أن يبقى ـ و يا للعجب ـ مائة سنة و أكثر و هذا مناف لتاريخ الثورات عموما و الثّورات التونسية على وجه الخصوص .فثورة ابن غذاهم على الدايات وقعت سنة 1864 و الثورة على الاستعمار الفرنسيّ وقعت سنة 1938 و أما الثورة على النّظام الجمهوري فإنّها وقعت سنة 2011 و بين هذه الثّورات  التونسية مسافات زمنية متساوية  فبين 1864 و 1938 أربعة و سبعون (74) عاما ثم بين 1938و2011 ثلاثة و سبعون (73) عاما و لذلك أقدّر الثّورة المقبلة التي سيحضرها أولادنا و أحفادنا و يساهمون فيها بين سنتي 2074 و 2075 إذ صحّ لديّ أنّ للثّورات التونسيّة  الكبرى  عمرا محدّدا  لا يتغيّر لأنّ أسبابه  تتكرّر و نتائجه تعاود تكرارا, و لذلك فلا ينسينّ الذين يكتبون الدّستور و يمهّدون للعهد الجديد أن يكتبوا فيه إمكان الثّورة على النّظام الذي بنته الثورة حتّى لا يحصل فراغ و يتمّ الانتقال السّلس في عهد الثّورة  فتنظم على أساس وجود إمكانيّة  أن ينتظم النّاس في لجان ثورة محلّيّة ترشّح شخصيات تتوثّب على السّلطة و تنظّم المسار الثّوري ّو لا تترك للمنتفعين و المتنفّذين إمكانيّة افتكاك السّلطة و انتزاع المجد من أهله بيعا للبلد و خيانة للثّورة و استرزاقا من العاهات بعد موت المندفعين و الثوريين الحقيقيين  أو المغامرين في سبيل الشهرة و المال .
الأستاذ محمد الهادي الكعبوري                         منزل جميل                في 17ديسمبر2011
  Partager
دراسات و أفكار
 موضع غابة الرمال في التراث
المدينة و تراثها في الشعر العربي
تاريخ الصيام
الصيام و الحرمان 
موقف من الحجاب
ضرب المرأة
الأنثى في ديوان "قصائد من تحت الأنقاض" للشاعر نجيب بن علي
شاب أحرق بلدا
الثورة التونسية
تقبّل موت حاكم قرطاج
الآن توضحت الصورة

بين حرّيّة التّعبير و قداسة الذّات الإلهيّة

هل الثورة حاالة مؤبّدة؟
النّقاب أو العري
تجديد فهم الإسلام
لماذا لا تكون الشرائع مقدّسة إلاّ بوجود الأنبياء و الرّسل؟
هل النّساء وحدهنّ ناقصات عقل و دين؟
في المعنى اللّغويّ للخلافة
من أنا؟
تعريف
قصصي
أشعاري
مسرحياتي
تحقيق
ترجمة
دراسات
مواقع

الصفحة السابقة

طبع الصفحة

الصفحة الرئيسية | صور | غابة الرمال | الفضاء | التاريخ | من أنا؟ | عائلتي | عائلات منزل جميل | المعالم الدينية | أمثال و أقوال | المنظمات و الجمعيات | المؤمسسات | الثقافة و الفنون | ناس مروا | المتحف | راسلونا

Copyright 2012©2014 leplacartuel.com